للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المخصوص حديث الباب، كما تقدّم تخصيصه عن ابن عبد البرّ بمن لم ينو القيام، فكذا يمكن أن يقال: يختصّ بمن لم يقرأ آية الكرسيّ لطرد الشيطان. واللَّه تعالى أعلم.

(ثَلَاثَ عُقد) قال البيضاوي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التقييد بالثلاث، إما للتأكيد، أو لأن ما تنحلّ به عقده ثلاثة أشياء، الذكر، والوضوء، والصلاة، فكأن الشيطان منع عن كلّ واحدة منها بعقدة عقدها انتهى (١). (يَضْرِبُ) أي بيده (عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ) تأكيدًا لها وإحكامًا، قائلًا ذلك، وقيل. معنى يضرب يحجب الحسّ عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ}، أي حجبنا الحسّ أن يلج في آذانهم، فينتبهوا، وفي حديث أبي سعيد: "ما أحد ينام، إلا ضُرب على سِمَاخِه بجرير معقود". أخرجه المخلص في "فوائده". و"السماخ" (٢) -بكسر المهملة، وآخره معجمة، ويقال بالصاد المهملة بدل السين-، وعند سعيد بن منصور بسند جيّد عن ابن عمر. "ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعًا".

(لَيلاً طَوِيلاً) بالنصب على الإغراء، في رواية ابن عيينة، عن أبي الزناد، وهي رواية الأكثرين عند مسلم، وعند البخاري في جميع طرقه بالرفع على الابتداء، أي باق عليك، أو بإضمار فعل، أي بَقِيَ. وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى, لأنه الأمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل، ثم يأمره بالرُّقَاد بقوله: "فارقد"، وإذا نُصِب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد، وحينئذ يكون قوله: "فارقد" ضائعًا. ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام، والإلباس عليه. قال في "الفتح": ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل، وهو كذلك، لكن لا يبعد أن يجيء مثله في النهار كالنوم حالة الإبراد مثلاً. قال: وقد اختلف في هذه العُقَد، فقيل: هو على الحقيقة، وأنه كما يعقد الساحر مَن يسحره، وأكثر من يفعله النساء، تأخذ إحداهنّ الخيط، فتعقد منه عُقدة، وتتكلّم عليه بالسحر، فيتأثّر المسحور عند ذلك، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس، لا قافية الرأس نفسها، وهل العقد في شعر الرأس، أو في غيره؟ الأقرب الثاني، إذ ليس لكلّ أحد شعر، ويؤيده ما ورد في بعض طرقه أن على رأس كل آدمي حبلاً، ففي رواية ابن ماجه، ومحمد بن نصر من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "على قافية رأس أحدكم حبل، فيه ثلاث عُقد"، ولأحمد من طريق الحسن، عن أبي هريرة


(١) - راجع "زهر الربى" ج٣ ص ٢٠٣ - ٢٠٤.
(٢) - "صِمَاخِ الأذن": الخَرْقُ الذي يُفضي إلى الرأس، وهو السمع، وقيل: هو الأذن نفسها، والجمع أَصْمِخَة، مثل سلاح وأسلحة. اهـ "المصباح".