للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذكر ابن أبي شيبة، عن أبي بكر بن عيّاش نحوه. وقال الخطابي: يحتمل أن يريد به الجِد في العبادة، كما يقال: شددت لهذا الأمر مِئْزري، أي تشمّرت له، ويحتمل أن يراد التشمير، والاعتزال معًا، ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز، كمن يقول: طويل النجاد لطويل القامة، وهو طويل النجاد حقيقة، فيكون المراد شدّ مئزره حقيقة، فلم يَحُلّه، واعتزل النساء، وشمّر للعبادة.

قال الحافظ: وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة: "شدّ مئزره، واعتزل النساء"، فعطفه بالواو، فيتقوّى الاحتمال الأول انتهى (١).

قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذهب بعضهم إلى أن اعتزاله النساء كان بالاعتكاف، وفيه نظر، لقوله فيه. "وأيقظ أهله"، فإنه يُشعر بأنه كان معهم في البيت، فلو كان معتكفًا لكان في المسجد، ولم يكن معه أحد. وفيه نظر، فقد ثبت حديث: "اعتكفت مع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - امرأة من أزواجه"، وعلى تقدير أنه لم يعتكف أحد منهنّ، فيحتمل أن يوقظهن من موضعه، وأن يوقظهن عند ما يدخل البيت لحاجته. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا متفق عليه.

المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:

أخرجه هنا-١٧/ ١٦٣٩ - وفي "الكبرى" ٢٥/ ١٣٣٤ - بالإسناد المذكور. واللَّه تعالى أعلم.

المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه.

أخرجه (خ) ٣/ ٦١ (م) ٣/ ١٧٥ (د) ١٣٧٦ (ق) ١٧٦٨ (الحميديّ) ١٨٧ (أحمد) ٦/ ٤٠ (ابن خزيمة). ٢٢١٤ واللَّه تعالى أعلم.

المسألة الرابعة: في فوائده:

منها: ما كان عليه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من الاجتهاد في العبادة، مع أن اللَّه غَفَرَ له ما تقدم من ذنبه، وما تأخّر. ومنها. فضل ليالي العشر الأواخر من رمضان على غيرها من الليالي. ومنها: استحباب الاجتهاد في تلك الليالي ما لا يجتهد في غيرها، فقد أخرج مسلم، وغيره عن عائشة - رضي اللَّه عنها -، قالت: "كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره". ومنها: استحباب إيقاظ الأهل فيها لِيُحيُوها بالعبادة. واللَّه تعالى أعلم


(١) - فتح ج ٤ ص ٨٠٣.