للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم إن إطلاقه الوتر يشمل الوتر طول السنة، فيكون الحديث دليلاً الرابعة، لمن يقول

بالوتر طول السنة انتهى بتصرّف (١)، وسيأتي تحقيق الخلاف في المسألة الرابعة إن شاء اللَّه تعالى. (اللَّهُمَّ اهْدِنِي) بيان للكلمات، أي ثبّتني على الهداية، أو زدني من أسباب الهداية (فِيمَن هَدَيْتَ) أي في جملة من هديتهم، من الأنبياء، والمرسلين، والأولياء، والصالحين، وهذا كما قال سليمان - عليه السلام -: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: ١٩] وقيل: "في" بمعنى "مع"، فهو كقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] (وَعَافِنِي) من المعافاة التي هي دفع السوء، أي سَلَّمني من البلاء والأهواء (فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) أي تولَّ أمري بالحفظ والرعاية مع من توليت أمورهم، ولا تكلني إلى نفسي (وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ) أي زدني فيما أعطيتنيه من خير الدارين (وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ) أي احفظني مما يترتّب على ما قضيته علي من السخط والجزع، هذا إن أريد بالقضاءِ القضاءُ الْمُبْرَم، إذ لا بُدّ من نفوذه، وإن أريد به المعلّق، فلا حاجة إلى هذا التأويل (إِنَّكَ تَقْضِي) وفي رواية "فإنك" بالفاء (وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) تعليل لما قبله، أي لأنك تحكم بما تريد، ولا يحكم عليك أحد، لا رادّ لما قضيت، ولا معقّب لحكمك (وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ) بفتح الياء، وكسر الذال، أي لا يُخذل من واليته من عبادك في الآخرة، أو مطلقا، وإن ابتُلي بما ابتُلي به من إهانة ظالم له، كما يقع للأنبياء والصالحين، فإن ذلك مما يرفع درجاتهم عند اللَّه تعالى.

زاد في رواية أبي داود، وغيره: "ولا يعزّ من عاديت". أي لا يكون لمن عاديته عزة في الدنيا ولا في الآخرة، وإن أُعطي من نعيم الدنيا ما أُعطي، حيث لم يَمتثِل أمر اللَّه تعالى، ولم يَجتنب نواهيه.

وهذه الزيادة ثابتة في الحديث، فقول النووي في "الخلاصة": إن البيهقي رواها بسند ضعيف، وقول ابن الرفعة: لم تثبت، غيرُ مُسَلَّم، لأن البيهقيّ رواها من طريق إسرائيل ابن يونس، عن أبي إسحاق، عن بُريد بن أبي مريم، عن الحسن، أو الحسين بن علي، فساقه بلفظ الترمذيّ، وزاد: "ولا يعزّ من عاديت". وهذا التردد من إسرائيل إنما هو في الحسن، أو الحسين، قال البيهقيّ: كأن الشك إنما وقع في الإطلاق، أو في النسبة، قال الحافظ: ويؤيّد الشكّ أن أحمد بن حنبل أخرجه في مسند الحسين بن علي من مسنده من غير تردّد، فأخرجه من حديث شريك عن أبي إسحاق بسنده، وهذان وإن كان الصواب خلافه، والحديث من حديث الحسن، لا من حديث أخيه الحسين، فإنه يدلّ


(١) - "شرح السندي" ج ٣ ص ٢٤٨.