للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويدلّ عليه أن ابن حبّان روى هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - باللفظ المذكور، وزاد: "فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه، دخل الجنّة يومًا من الدهر، وإن أصابه ما أصاب قبل ذلك" (١).

قيل: معنى "التلقين" أن يُذكَرَ له "لا إله إلا اللَّه"، ويُتلفّظ به بحضرته، حتى يسمع، فيتفطّن، فيقوله، ولا يؤمر به، إلا أن يكون كافرًا، فيقال له: قل: لا إله إلا اللَّه، كما قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك لعمه أبي طالب، وللغلام اليهوديّ الذي كان يخدمه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

والمقصود من التلقين أن يكون آخر كلامه لا إله إلا اللَّه، ولذا قالوا: إذا قال مرة لا تُعاد عليه، إلا أن يتكلّم بكلام آخر. ذكر الترمذي -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الجامع" أنه رُوي عن ابن المبارك أنه لما حضره الوفاة جعل رجل يلقنه لا إله إلا اللَّه، ويكثر عليه، فقال له عبد اللَّه: إذا قلتُ ذلك مرّة، فأنا على ذلك ما لم أتكلّم بكلام انتهى.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأجمع العلماء على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار عليه، والموالاة، لئلا يَضجَرَ بضيق حاله، وشدّة كربه، فيكره ذلك بقلبه، ويتكلّم بما لا يليق انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "لقنوا موتاكم الخ" أي قولوا لهم ذلك، وذكّروهم به عند الموت، وسماهم - صلى اللَّه عليه وسلم - موتى لأن الموت قد حضرهم، وتلقين الموتى هذه الكلمةَ سنّة مأثورة، عَمِلَ بها المسلمون، وذلك ليكون آخر كلامه "لا إلى إلا اللَّه"، فيُختم له بالسعادة، وليدخل في عموم قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه دخل الجنّة" (٢)، وليُنبّه المحتضر على ما يدفع به الشيطان، فإنه يتعرّض للمحتضر ليُفسد عليه عقيدته، فإذا تلقّنها المحتضر، وقالها مرّة واحدة، فلا تُعاد عليه، لئلا يَضجَرَ، وقد كره أهل العلم الإكثار عليه من التلقين، والإلحاح عليه إذا هو تلقّنها، أو فُهِم عنه ذلك، وفي أمره - صلى اللَّه عليه وسلم - بتلقين الموتى ما يدلّ على تعيّن الحضور عند المحتضر، لتذكيره، وإغماضه، والقيام عليه، وذلك من حقوق المسلم على المسلمين، ولا خلاف في ذلك انتهى كلام القرطبي (٣).

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الجمهور على أنه يُندب هذا التلقين، وظاهر الحديث يقتضي وجوبه، وذهب إليه جمع، بل نقل بعض المالكية الاتفاق عليه انتهى (٤).


(١) - حديث صحيح. انظر "الإحسان" ج ٧ ص ٢٧٢.
(٢) - حديث صحيح، رواه أحمد، وأبو داود من حديث معاذ بن جبل - رضي اللَّه عنه -.
(٣) - "المفهم" ج ٢ ص ٥٧٠.
(٤) - انظر "المرعاة" ج ٥ ص ٣٠٨.