للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من حياته. قيل: الحب هنا هو الذي يقتضيه الإيمان باللَّه، والثقة بوعده، دون ما يقتضيه حكم الجِبِلَّة.

وقال ابن الأثير الجزيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "النهاية": المراد بلقاء اللَّه هنا المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند اللَّه، وليس الغرض به الموت، لأن كُلاًّ يكرهه، فمن ترك الدنيا، وأبغضها أحبّ لقاء اللَّه، ومن آثرها، وركن إليها كره لقاء اللَّه، لأنه إنما يصل إليه بالموت. قال: وقول عائشة: "والموت دون لقاء اللَّه" يبيّن أن الموت غير اللقاء، ولكنه مُعترِضٌ دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه، ويحتمِلَ مشاقّه حتى يصل إلى الفوز باللقاء (١).

قال الطيبيّ: يريد أن قول عائشة: "إنا لنكره الموت" (٢) يوهم أن المراد بلقاء اللَّه في الحديث الموت، وليس كذلك، لأن لقاء اللَّه غير الموت، بدليل قوله في الرواية الأخرى: "والموت دون لقاء اللَّه"، لكن لما كان الموت سببا إلى لقاء اللَّه عبّر عنه بلقاء اللَّه.

قال الحافظ: وقد سبق ابن الأثير إلى تأويل لقاء اللَّه بغير الموت الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاّم، فقال: ليس وجهه عندي كراهة الموت، وشدّته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا، والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى اللَّه، والدار الآخرة. قال: ومما يُبيّن ذلك أن اللَّه تعالى عاب قومًا بحبّ الحياة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} الآية [يونس: ٧]. انتهى.

وقال الخطابيّ: معنى محبّة العبد للقاء اللَّه إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحبّ استمرار الإقامة فيها، بل يستعدّ للارتحال عنها، والكراهةُ بضدّ ذلك انتهى.

وقال النوويّ: معنى الحديث أن المحبّة والكراهة التي تُعتبر شرعًا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تُقبل فيها التوبة، حين ينكشف الحال للمُحتَضَر، ويظهر له ما هو صائر إليه انتهى (٣).

(أحبّ اللَّه لقاءه) قال في "الفتح": قال العلماء محبة اللَّه لعبده إرادته الخير له، وهدايته إليه، وإنعامه عليه، وكراهته له على الضدّ من ذلك انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تفسير محبّة اللَّه تعالى بما ذُكر تفسير باللازم، وهو


(١) - "النهاية في غريب الحديث" ج ٤ ص ٢٦٦.
(٢) - أي في حديث مسلم، لا في رواية المصنف، فإنه من كلام شريح، لا من كلامها.
(٣) - راجع "الفتح" ج ١٣ ص ١٦٥ - ١٦٦.