للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

عن محمد بن المنكدر -رَحِمَهُ اللَّهُ-، أنه قال (سَمِعْتُ جَابِرًا) - رضي اللَّه عنه - (يَقُولُ: جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ) أي يوم غزوة أحد، وهو بضمتين: جبل بقرب مدينة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من جهة الشام، وغزوته كانت في أوائل شوّال سنة ثلاث من الهجرة، وهو مذكّر، فينصرف، وقيل: يجوز التأنيث على توهّم البُقْعَة، فيُمنع، وليس بالقويّ. قاله في "المصباح" (وَقَدْ مُثِّلَ بِه) بالبناء للمفعول مخفّفًا، أو مشددًا، وهو المناسب هنا، من الْمَثْل، أو التمثيل، يقال: مَثَلْتُ بالقتيل مَثْلًا، من بابي قتل، وضرب: إذا جَدَعْتَهُ، أي قطعت أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، أو شئًا من أجزائه، وظهرت آثار فعلك عليه تنكيلاً، والتشديد للمبالغة، والاسم المُثْلَة، بضم الميم، وسكون المثلّثة، وزان غُرْفة (فَوُضِع) ولفظ البخاريّ: "حتى وُضع" (بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَقَدْ سُجِّيَ بِثَوْبٍ) بالبناء للمفعول، من التسجية، أي غُطِّي بثوب، والجملة في محل نصب علىَ الحَال (فَجَعَلْتُ) ولفظ البخاريّ: "فذهبت" (أُرِيدُ أَن أَكْشِفَ عَنْهُ) أي حتى يَرَى ما فُعِل به (فَنَهَانِي قَوْمِي) هم بنو سَلِمَة -بكسر اللام- وفي رواية البخاريّ: "فذهبت أريد أن أكشف عنه، فنهاني قومي، ثم ذهبت أكشف عنه، فنهاني قومي"، مكرّرا. وفي رواية شعبة الآتية: "فجعلت أكشف عن وجهه، وأبكي، والناس ينهوني، ورسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لا ينهاني … "

(فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي أمر برفعه من ذلك الموضع إلى محلّ دفنه (فَرُفِعَ، فَلَمَّا رُفِعَ، سَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ) أي امرأة باكية، ولفظ البخاريّ: "صوت صائحة" (فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، فَقَالُوا: هَذِهِ بِنْتُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو) هكذا شك من سفيان، والصواب بنت عمرو، وهي فاطمة بنت عمرو، وسيأتي في الباب التالي من رواية شعبة، عن محمد بن المنكدر: "وجعلت عمتي تبكيه"، وفي رواية البخاريّ: "فذهبت عمتي فاطمة"، ووقع في "الإكليل" للحاكم تسميتها هند بنت عمرو، فلعل لها اسمين، أو أحدهما اسمها، والآخر لقبها، أو كانتا جميعًا حاضرتين. قاله في "الفتح" (١) (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("فَلَا تَبْكِي") "لا" ناهية، فلذا جزم الفعل بعدها، وقول السنديّ: قوله: "فلا تبكي" نفي بمعني النهي. سهو منه، لأن الفعل مجزوم، ولو كان نفيا لرُفع بالنون، كما قال ابن مالك:

وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفعَلَانِ النُّونَا … رَفْعَا وَتَدْعِينَ وَتَسْأَلُونَا

وَحذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ … كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَمَهْ


(١) - ج٣ ص ٥١٢.