للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فخَلَصَت من تلك الشدّة، وعاشت تلك المدّة، وهذا ينبغي أن يُذكَر في دلائل النبوّة، واللَّه المستعان انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر في أن الجمع بين هذه الروايات بتعدد الواقعة أولى، من تخطئة الرواية الصحيحة، فالصواب في حديث الباب أن المحتضر "ابن"، لا "ابنة"، كما هو نصّ حديث الباب.

ثم رأيت القسطلاّنيّ نقل عن البرماويّ بأنه جمع بين ذلك باحتمال تعدد الواقعة في بنت، أو بنتين، أرسلت زينب في عليّ، أو أمامة، أو رقيّةُ في عبد اللَّه بن عثمان، أو فاطمة في ابنها محسن بن عليّ انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم.

(قُبِضَ) بالبناء للمفعول، أي قرب من أن يُقبض، أي هو في حالة القبض، ومعالجة الروح، فأطلق القبض مجازًا، باعتبار أنه في حالة كحالة النزع (فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ، يَقْرَأ) بفتح الياء (السَّلَامَ) بالنصب مفعول، ومتعلِّقُهُ محذوف: أي عليها، لأنه يتعدى إلى المفعول الثاني بـ "على". يقال: قرأت على زيد السلامَ، أقرؤه عليه، قراءةً، وإذا أمرت منه قلتَ: اقْرَأْ - عليه السلام -، قال الأصمعيّ: وتعديته بنفسه خطأ، فلا يقال: اقْرَأْه السلامَ، لأنه بمعنى اتلُ عليه، وحكَى ابن القطّاع أنه يتعدّى بنفسه، رباعيًا، فيقال: فلان يُقرِئك السلامَ. قاله في "المصباح". ورواية البخاريّ "يُقرىء" بضم الياء، وجملة "يقرأ" حال من فاعل "أرسل" (وَيَقُولُ) تسليةً لها (إِنَّ لِلهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى) أي فلا حيلة إلا الصبر، وقدّم ذكر الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخرًا في الواقع، لأن المقامَ يقتضيه، والمعنى أن الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، فلا ينبغي الجزع، لأن مُستَودَعَ الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه. ويحتمل أن يكون المراد بالإعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد الميت، أو ثوابهم على المصيبة، أو ما هو أعمّ من ذلك. أفاده في "الفتح".

وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إن للَّه ما أخذ": معناه الحثّ على الصبر، والتسليم لقضاء اللَّه تعالى، وتقديره أن هذا الذي أُخذ منكم كان له، لا لكم، فلم يأخذ إلا ما هو له، فينبغي أن لا تَجزَعوا، كما لا يجزع من استُرِدّت منه وديعةٌ أو عاريةٌ.

وقوله: "وله ما أعطى": معناه: أن ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه، بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء. انتهى (٣).


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٥٠٢ - ٥٠٣.
(٢) - "إرشاد الساري" ج ٢ ص ٤٠١ ..
(٣) - "شرح مسلم" ج ٦ ص ٤٦٤.