للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن سعدًا - رضي اللَّه عنه - ظنّ أن جميع أنواع البكاء حرام، وأن دمع العين حرامٌ، وظنّ أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - نسي، فذكّره، فأعلمه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أن مجرّد البكاء، ودمع العين، ليس بحرام، ولا مكروه، بل هو رحمة، وفضيلة، وإنما المحرّم النوح، والندب، والبكاء المقرون بهما، أو بأحدهما انتهى (١) (وَإِنَّمَا يَرحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) وفي رواية للبخاريّ في "كتاب الطبّ": "ولا يرحم اللَّه من عباده إلا الرحماء".

و"مِنْ" في قوله: "من عباده" بيانية، وهي حال من المفعول، وهو "الرحماء"، وقُدِّم عليه ليكون أوقع.

و"الرحماء": جمع رحيم، وهو من صيغ المبالغة، ومقتضاه أن رحمة اللَّه تختصّ بمن اتصف بالرحمة، وتحقّق بها، بخلاف من فيه أدنى رحمة، لكن ثبت في حديث عبد اللَّه ابن عمرو، عند أبي داود وغيره: "الراحمون يرحمهم الرحمن"، و"الراحمون" جمع راحم، فيدخل كلّ مَن فيه أدنى رحمة.

وقد ذكر الحربيّ مناسبة الإتيان بلفظ "الرحماء" في حديث الباب بما حاصله: أن

لفظ الجلالة دالّ على العظمة، وقد عُرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقًا للتعظيم، فلما ذُكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته، وعظمته، ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم، بخلاف الحديث الآخر، فإن لفظ الرحمن دالّ على العفو، فناسب أن يُذكر معه كلّ ذي رحمة، وإن قلّت، واللَّه تعالى أعلم، ذكره في "الفتح" (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث أسامة بن زيد - رضي اللَّه عنه - هذا متفق عليه.

المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا - ٢٢/ ١٨٦٨ - وفي "الكبرى" ٢٢/ ١٩٩٥ - وأخرجه (خ) ١٢٨٤ و ٥٦٥٥ و ٦٦٠٢ و ٦٦٥٥ و ٧٣٧٧ و ٧٤٤٨ (م) ٩٢٣ (د) ٣١٢٥ (ف) ١٥٨٨ (أحمد) ٢١٢٨٢ و ٢١٢٩٢. واللَّه تعالى أعلم.

المسألة الثالثة: في فوائده:

منها: ما ترجم له المصنف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو الحثّ على الاحتساب، والصبر عند نزول المصيبة. ومنها: مشروعيّة استحضار أهل الفضل، والصلاح عند المحتضر.


(١) - "شرح مسلم" ج ٦ ص ٤٦٤ - ٤٦٥.
(٢) - "فتح"ج ٣ ص ٥٠٤ - ٥٠٥.