للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تسأل، والتحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينية، وإنما هي محتملة، ومن ثَمّ وقع السؤال عن ذلك.

وقال الحافظ ولي الدين -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: ثبت في الصحيح من غير وجه أنه قيل: يا رسول اللَّه، واثنان؟ فقال: "واثنان". ورَوَى الترمذيّ عن ابن عباس - رضي اللَّه عنه - أنه سمع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "من كان له فَرَطَان من أمتي أدخله اللَّه بهما الجنة"، فقالت عائشة: فمن كان له فَرَطٌ من أمتك؟ فقال: "ومن كان له فَرَطٌ يا موفّقة" قالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: "أنا فَرَط أمتي، لن يُصابوا بمثلي". قال الترمذيّ: حسنٌ غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه بن بارق، وقد رَوَى عنه غير واحد من الأئمة انتهى.

قال وليّ الدين: وعبد ربه هذا مختلف فيه، ضعفه ابن معين، والنسائيّ، وقال أحمد: ما به بأس، ووثقه ابن حبّان. ورَوَى الترمذيّ، وابن ماجه عن أبي عُبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من قدّم ثلاثة، لم يبلغوا الحنث، كانوا له حصنًا حصينًا"، قال أبو ذرّ: قدمت اثنين، قال: "واثنين"، فقال أبيّ بن كعب، سيد القرّاء: قدّمت واحدًا، قال: "وواحدًا، ولكن إنما الصبر عند الصدمة الأولى". قال الترمذيّ: حسن غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

ورُوي ذكرُ الواحد من حديث جماعة من الصحابة أيضًا، وهو محمول عند العلماء على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أوحي إليه ذلك عند سؤالهم عن الاثنين، وعن الواحد إن صحّ، ولا يمتنع نزول الوحي عليه في أسرع من طرفة عين، كما في نزول قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] لما قام ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول اللَّه إني رجل ضرير البصر، فنزلت: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}، هذا. على أن العلماء يختلفون في مفهوم العدد، هل هو حجة، أم لا، فمن لم يجعله حجة لا يحتاج إلى ذكر هذا الجواب، ويقول: ذكر هذا العدد لا ينافي حصول ذلك بأقل منه، بل ولو جعلناه حجة، فليس نصا قاطعًا، بل دلالته ضعيفة، يقدّم عليها غيرها عند معارضتها.

وقال أبو العباس القرطبيّ بعد ذكره نحو ما قلناه: ويحتمل أن يقال: إن ذلك بحسب شدة وجد الوالدة، وقوّة صبرها، فقد لا يبعد أن يكون مَن فَقَدت واحدًا، أو اثنين أشدّ ممن فقدت ثلاثة، أو مساوية لها، فتُلحَق بها في درجاتها.

قال ولي الدين: ظاهر الحديث حَمْلُ ذلك على كلّ فاقد اثنين، وعلى كلّ فاقد واحد، فالتقييد بشدّة الوجد الذي يصيّره كفاقد ثلاثة يحتاج إلى دليل.

وقال القاضي عياض: يحتمل أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قاله ابتداء لأتمّ الأشياء، لأن ثلاثًا أول الكثرة،