للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكُدَى (وَقَدْ سَمِعْتُكَ، تَذْكُرُ فِي ذَلِكَ، مَا تَذْكُرُ) أي من الوعيد، من نحو قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لعن اللَّه زَوَّارات القبور" حديث حسن أخرجه الترمذي، وابن ماجه (فَقَالَ لَهَا: لَوْ بَلَغْتِهَا) أي الكدى (مَعَهُمْ) مع أهل هذا الميت (مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ، حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ) يعني عبد المطّلب، قال الإمام ابن حبّان -رحمه اللَّه تعالى-: يريد ما رأيت الجنّة العاليةَ التي يدخلها مَن لم يرتكب ما نَهَى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عنه، لأن فاطمة علمت النهي قبل ذلك، والجنةُ هي جنان كثيرة، لا جنة واحدة، والمشرك لا يدخل جنّة من الجنان أصلاً، لا عالية، ولا سافلة، ولا ما بينهما انتهى (١).

وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: ظاهر السياق، يفيد أن المراد ما رأيت أبدًا، كما لم يرها فلان، وأن هذه الغاية من قبيل {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠]، ومعلوم أن المعصية غيرَ الشرك لا تؤدي إلى ذلك، فإما أن يحمل على التغليظ في حقها، وإما أن يحمل على أنه علم في حقها أنها لو ارتكبت تلك المعصية لأفضت بها إلى معصية تكون مؤدية إلى ما ذُكر انتهى.

وقال السيوطي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أقول: لا دلالة في هذا على ما توهمه المتوهمون، لأنه لو مشت امرأة مع جنازة إلى المقابر، لم يكن ذلك كفرًا، موجبًا للخلود في النار، كما هو واضح، وغاية ما في ذلك أن يكون من جملة الكبائر التي يُعذّب صاحبها، ثم يكون آخر أمره إلى الجنة، وأهل السنّة يؤولون ما ورد من الحديث في أهل الكبائر، أنهم لا يدخلون الجنة، والمراد لا يدخلونها مع السابقين الذين يدخلونها أوّلاً بغير عذاب، فغاية ما يدلّ عليه الحديث المذكور هو أنها لو بلغت معهم الكُدَى لم تر الجنة مع السابقين،

بل يتقدم ذلك عذاب، أو شدة، أو ما شاء اللَّه، من أنواع المشاقّ، ثم يَؤُول أمرها إلى دخول الجنة قطعًا، ويكون عبد المطلب كذلك لا يرى الجنة مع السابقين، بل يتقدّم ذلك الامتحان وحده، أو مع مشاقّ أخر، ويكون معنى الحديث لم تَرَي الجنةَ حتى يجيء الوقت الذي يراها فيه جدّ أبيك، فترينها حينئذ، فتكون رؤيتك لها متأخّرة عن رؤية غيرك من السابقين لها. هذا مدلو الحديث، لا دلالة له على قواعد أهل السنة غير ذلك، والذي سمعتُهُ من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناويّ، وقد سئل عن عبد المطلب، فقال: هو من أهل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة، وحكمهم في المذهب معروف انتهى (٢).


(١) - راجع "صحيح ابن حبان" ج ٧ ص ٤٥١ - ٤٥٢ رقم الحديث ٣١٧٧.
(٢) - راجع "زهر الربى"، و "شرح السنديّ" ج ٤ ص ٢٧ - ٢٨.