للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ) ببناء الفعل للمفعول، وعند مسلم: "إلا أن يَضطرّ إنسان إلى ذلك"، وعليه فالفعل مبنيّ للفاعل، قال في "المصباح": وضَرَّه إلى كذا، واضطَرَّه: ألجأه إليه، وليس له منه بُدٌّ انتهى. قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل أنه لا بأس به في وقت الضرورة، وقد اختَلَف العلماءُ في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصريّ، إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يُستدلّ له به.

وقال جماهير العلماء، من السلف والخلف: لا يكره، واستدلّوا بأن أبا بكر الصدّيق - رضي اللَّه عنه -، وجماعة من السلف دُفنوا ليلًا، من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء، والرجل الذي كان يقمّ المسجد، فتوفّي بالليل، فدفنوه ليلاً، وسألهم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - عنه؟ فقالوا: توفي ليلًا، فدفنّاه في الليل، فقال: "ألا آذنتموني؟ "، قالوا: كانت ظلمة، ولم ينكر عليهم، وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرّد الدفن بالليل، وإنما نهى لترك الصلاة، أو لقلة المصلين، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع، كما سبق انتهى كلام النووي -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: أخذ به الحسن، فكره أن يُقبر الرجل بالليل، إلا لضرورة، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك، وكأنهم رأوا أن ذلك النهي خاصّ بذلك الرجل، لئلا تفوته صلاة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقيل: يمكن أن يقصدوا بدفنه بالليل ستر إساءة ذلك الكفن الغير الطائل.

قال: وهذه التأويلات فيها بُعْدٌ، ولا تصلح لدفع ذلك الظاهر، لأن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما صدر عنه النهي المطلق بعد دفن الرجل بالليل، فقد تناول النهي غيره قطعًا، فتأمله.

ويمكن أن يُعضد مذهب الحسن بأنه إن قبر ليلًا قلّ المصلون عليه، لأن عادة الناس في الليل ملازمة بيوتهم، ولا يتصرفون فيه، ولأنه إذا قبر ليلا تسومح في الكفن، لأن الليل يستره، ودلّ على صحته قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا كفّن أحدكم أخاه، فليُحسن كفنه". انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الحسن البصريّ -رحمه اللَّه تعالى-، هو الأرجح عندي، كما مال إليه القرطبيّ، لظاهر حديث الباب. وسيأتي تحقيق القول في ذلك في "باب الساعات التي نهُي عن إقبار الموتى فيهنّ" ٨٩/ ٢٠١٣ و ٢٠١٤ - إن شاء اللَّه تعالى.

(وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِذَا وَلِي) بفتح الواو، وكسر اللام المخففة، من الولاية، أي تولى (أَحَدُكُمْ أَخَاهُ) أي تجهيز أخيه، وتكفينه (فَلْيُحَسِّن) بضم الياء، من التحسين،


(١) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ١٤.
(٢) - "المفهم" ج ٢ ص ٦٠١ - ٦٠٢.