للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قومه من الخزرج لرياسته فيهم، فلو لم يُجب سؤال ابنه، وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح، لكان سُبّةً على ابنه، وعارًا على قومه، فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهُي عنه، فانتهى.

وتبعه ابن بطّال، وعبّر بقوله: رجا أن يكون معتقدًا لبعض ما كان يظهره من

الإسلام. وتعقّبه ابن المنيّر بأن الإيمان لا يتبعّض، وهو كما قال، لكن مراد ابن بطال أن إيمانه كان ضعيفًا.

قال الحافظ: وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد اللَّه بن أُبيّ لكون النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى عليه، وذَهِلَ عن الوارد من الآيات، والأحاديث المصرّحة في حقّه بما ينافي ذلك، ولم يقف على جواب شاف في ذلك، فأقدم على الدعوى المذكورة، وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال، وإطباقهم على ترك ذكره في كتب الصحابة، مع شهرته، وذكر من هو دونه في الشرف، والشهرة بأضعاف مضاعفة.

وقد أخرج الطبريّ من طريق سعيد، عن قتادة في هذه القصّة، قال: فأنزل اللَّه تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}، قال: فذُكر لنا أن نبيّ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "وما يغني عنه قميصي من اللَّه، وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه". انتهى. (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم}) متعلق بصفة لـ "أحد"، أو بحال من الضمير في قوله (مَاتَ) أي مات متصفا بصفة النفاق، كقولهم: أنت مني، يعني على طريقتي، وجملةُ "مات" صفة لـ "أحد" أيضا، أو حال منه، لوصفه بالجارّ والمجرور، إذ القاعدة أن الجملة وشبهها بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال (أَبَدًا) ظرف لـ "لا تصلّ" (وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) يعني لا تقف عليه، ولا تتولّ دفنه، من قولهم: قام فلان بأمر فلان: إذا كفاه أمره، وناب عنه فيه (١).

[تنبيه]: قال في "الفتح": ظاهر الآية يدلّ على أنها نزلت في جميع المنافقين، لكن ورد ما يدلّ على أنها نزلت في عدد معيّن منهم، قال الواقديّ: أنبأنا معمر، عن الزهريّ، قال: حذيفة: قال لي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إني مسرّ إليك سرًّا، فلا تذكره لأحد، إني نُهيت أن أصلي على فلان وفلان، رهط، ذوي عدد، من المنافقين؛ قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإن مشى مشى معه، وإلا لم يصلّ عليه "، ومن طريق أخرى، عن جبير بن مطعم، أنهم اثنا عشر رجلًا. قال الحافظ: ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن اللَّه علم أنهم يموتون على الكفر،


(١) - انظر "تفسير الخازن" ج ٣ ص ١٣٢.