للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن الصواب العمل بما دلّ عليه حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - المذكور في الباب، فلا يُخمّر رأسه المحرم الميت، ولا وجهه، ولا يحنّط، وأنه باق على إحرامه، وأن العلة هي الإحرام، وهي عامة في كل محرم، والأصل أن ما ثبت لشخص في زمنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ثابت لغيره حتى يدلّ الدليل على خلافه، ولم يثبت خلافه، كيف، وقد ثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "يبعث كلّ عبد على ما مات عليه" رواه مسلم، وهذا عام في كل صورة ومعنى، فاقتضى ذلك تعلق هذا الحكم على الإحرام حيث مات محرما، فيعمّ كل محرم، كيف والتلبية من لوازم الإحرام، والعمل بالحديث مقدم على القياس، وهو متعين. (١)

ولقد أجاد من قال، وأحسن في المقال [مِن الوافر]:

إِذأ جَالَتْ خُيُولُ النَّصِّ يَوْمًا … تجُارِي فِي مَيَادِينِ الْكِفَاحِ

غَدَتْ شُبَهُ الْقِيَاسِيِّينَ صَرْعَى … تَطِيرُ رُؤُوسُهُنَّ مَعَ الرِّيَاحِ

واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".

٤٢ - الْمِسْكُ

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بهذه الترجمة الاستدلال على مشروعية استعمال المسك للميت، ووجه ذلك أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال في قصّة المحرم: "ولا تَمَسُّوه بطيبٍ"، فإن مفهومه أن غير المحرم من الأموات يُمَسُّ طيبًا، وحديث الباب نصّ في كون المسك من أطيب اليب، فدل على أن استعمال المسك للميت غيرِ المحرم مستحبّ، وهذا من دقيق فقه المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فللَّه درّه ما أحدّ نظره، وما أصوب فكره.

وصنعيه هذا نظير صنيع الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حيث ترجم بقوله: "باب الحنوط للميت"، ثم أورد قصة المحرم، وفيه: "ولا تحُنّطوه"، فاستنبط من مفهوم النهي استحبابَ الحنوط للميت غير المحرم، واستنباط المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أدقّ. واللَّه


(١) - انظر "الإعلام" ج ٤ ص ٤٥٣.