للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خَيْرًا) صفة لمصدر محذوف، أي ثناءً خيرًا، أو هو منصوب بنزع الخافض، أي أُثني عليها بخير.

وفي رواية النضر بن أنس، عن أبيه، عند الحاكم: "كنتُ قاعدًا عند النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فمُرّ بجنازة، فقال: "ما هذه الجنازة؟ قالوا: جنازة فلان ابن فلان الفلانيّ، كان يحبّ اللَّه ورسوله، ويَعمل بطاعة اللَّه، وَيسعَى فيها، وقال ضدّ ذلك في التي أثنوا عليها شرّا". ففيه تفسير ما أبهم من الخير والشرّ في رواية عبد العزيز. وللحاكم أيضًا من حديث جابر - رضي اللَّه عنه -: "فقال بعضهم: لنعم المرءُ، لقد كان عفيفًا مسلمًا"، وفيه أيضًا: "فقال بعضهم: "بئس المرءُ كان، إن كان لَفَظًّا غليظًا".

(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وَجَبَتْ") أي ثبتت له الجنّة. وفي رواية لمسلم: "وجبت، وجبت، وجبت" ثلاث مرّات. قال النوويّ: والتكرار فيه لتأكيد الكلام المهتمّ بتكراره، ليُحفَظَ، ويكون أبلغ انتهى.

(وَمُرَّ بجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا) قال الطيبيّ: استعمال الثناء في الشرّ مشاكلة، أو تهكّم انتهى. وقال القاري: ويمكن أن يكون أثنوا في الموضعين بمعنى وصفوا، فيحتاج إلى القيد، ففي "القاموس": الثناء وصف بمدح، أو ذمّ، أو خاصّ بالمدح انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تقدّم في كلام الفيّوميّ أن الصواب عند أهل اللغة أنّ الثناء هو الوصف مطلقًا، وأما كونه خاصّا بالمدح فغير ثابت عنهم، وقد اعترض الشارح على صاحب "القاموس" قولَه: أو خاصّ بالمدح بأنه لم يَقُل به أحد ممن يوثق به (١).

فما ادعاه الطيبيّ من المشاكلة، وكذا ما أجاب به القاري غير صحيح. فتبصّر بالتحقيق، واللَّه تعالى الهادي إلى أقوم الطريق.

(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمَّي) فيه جواز التفدية بالأبوين (مُرَّ بِجَنَازَةِ) ببناء الفعل للمفعول، وكذا قوله (فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَاُثْنِيَ عَلَيهَا شَرًّا، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ) يعني ما المراد بقولك: "وجبت" في هاتين الجنازتين (فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَنْ أَثْنَيتُمْ عَلَيهِ خَيْرًا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ) يعني أن المراد بقوله: "وجبت" أي الجنّة لذي الخير، والنار لذي الشرّ، والمراد بالوجوب الثبوت، إذ هي في صحّة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على اللَّه شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله، لا يسأل عما يفعل.


(١) - انظر ما كتبه نصر الهُورينيّ على هامش "ق" ص ١١٤١.