للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} الآية [الزمر: ٦٤] و"تسمعُ بالمُعَيديّ خير من أن تراه" برفع {أعبدُ} و"تسمعُ".

وقد وافق ابن مالك الأخفشَ في شرح التسهيل، حيث قال في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْق} الآية [الروم: ٢٤] أن {يريكم} صلة "أن" حُذفت، وبقي الفعل مرفوعًا، وهذا هو القياس، لأن الحرف عامل ضعيف، فحذفه يُبطل عمله انتهى.

وأما حذف "أن"، ونصب الفعل، فقياس عند الكوفيين أيضًا، وشاذّ عند البصريين، وأيدّه ابن مالك، حيث قال في "الخلاصة":

وَشّذّ حَذْفُ "أَنْ" وَنَصْبٌ فِي سِوَى … مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى

وذهب قوم إلى أن الحذف في غير مواضع التي أجازوا الحذف فيها سماعيّ مطلقا، سواء رُفِعَ الفعلُ، أو نصب (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصحيح أن حذف "أن" ورفعَ الفعل جائز، كما ذهب إليه الأخفش؛ لوقوعه في القرآن الكريم، كما مرّ آنفًا، وتخريجُ الآية على وجه شاذّ غير صحيح. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيهات]:

(الأول): عموم هذا الحديث يدلّ على مشروعية عيادة كلّ مريض، لكن استثنى بعضهم الأرمد، لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو، وهذا الأمر خارجيّ، قد يأتي مثله في بقية الأمراض، كالْمُغمَى عليه، وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصه حديث زيد بن أرقم - رضي اللَّه عنه -، قال: "عادني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، من وجع كان بعيني". أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم، وهو عند البخاريّ في "الأدب المفرد"، وسياقه أتم.

وأما ما أخرجه البيهقيّ، والبراني مرفوعًا: "ثلاثة ليس لهم عيادة: العين، والدُّمَّلُ، والضِّرْس"، فصحح البيهقيّ أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير.

[الثاني]: يؤخذ من إطلاق الحديث عدم تقييد العيادة بزمان يمضي، من ابتداء مرضه، وهو قول الجمهور، وجزم الغزاليّ في "الإحياء" بأنه لا يُعاد إلا بعد ثلاث، واستند إلى حديث أخرجه ابن ماجه، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، "كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يعود إلا بعد ثلاث". وهذا حديث ضعيف جدًّا، تفرّد به مسلمة بن عليّ، وهو متروك، وقد سئل عنه أبو حاتم؟ فقال: هو حديث باطل، وله شاهد من حديث أبي هريرة، عند الطبرانيّ في "الأوسط"، لكن فيه راو متروك، فلا يثبت الحديث أصلاً. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - انظر "حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على الخلاصة" في "باب إعراب الفعل" ج ٢ ص ١٨٣.