للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القيامة: رجل أصم، لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم، فيقول: رب لقد جاء الإسلام، وما أسمع شيئا، وأما الأحمق، فيقول: رب لقد جاء الإسلام، والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام، وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة، فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم، ليُطيعُنَّه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها، لكانت عليهم بردا وسلاما".

قال حدثنا علي، حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، مثل هذا، غير أنه قال في آخره: "فمن دخلها، كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يُسحب إليها".

وهذا إسناد صحيح، فظهر بهذا أن ترجيح القول بالامتحان للأطفال بحديث الامتحان ليس له وجه، لأن طرقه واهية، فلا يمكن تصحيحها بتعدد طرقها، ولا يمكن أيضًا كون الحديث الصحيح المذكور آنفًا شاهدًا لها، للمخالفة الواضحة، فإنها تدلّ على النكارة، والوهاء، فتبصّر.

[تنبيه]: تُعُقِّب القول بالامتحان المذكور بأن الآخرة ليست دار تكليف، فلا عمل فيها، ولا ابتلاء.

وأجيب عنه: بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنّة، أو النار، وأما في عرصات القيامة، فلا مانع سن ذلك، وقد قال اللَّه: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: ٤٢] وفي "الصحيحين": "إن الناس يؤمرون بالسجود، فيصير ظهر المنافق طبقًا، فلا يستطيع أن يسجد".

ثامنها: أنهم في الجنّة، وقد تقدّم القول فيه في "باب فضل من مات له ولد". قال النوويّ: وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، وإذا كان لا يُعذّبُ العاقلُ لكونه لم تبلغه الدعوة، فلأن لا يُعذّب غير العاقل من باب الأولى. ولحديث سمرة المذكور في هذا الباب (١)، ولحديث عمة خنساء (٢) المتقدّم، ولحديث عائشة الآتي قريبًا (٣).


(١) - هو الحديث الطويل في رؤيا النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أخرجه البخاريّ في "الجائز" بطوله، وفيه: "والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم - عليه السلام -، والصبيان حوله، فأولاد الناس … ".
(٢) - تقدّم حديثها في الشرح قريبًا، وفيه: "والمولود في الجنة"، وإسناده حسن، كما مرّ.
(٣) - تقدّم حديثها أيضًا، وفيه: "فنزلت: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨]، لكن الحديث ضعيف، كما مرّ.