للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد وقع عند أبي داود من طريق إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -: "جاء ما عز بن مالك إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فاعترف بالزنا مرتين، فطرده، ثم جاء، فاعترف بالزنا مرتين" (١).

وأما رواية الثلاث، فكان المراد الاقتصار على المرّات التي ردّه فيها، وأما الرابعة، فإنه لم يردّه، بل استثبت فيه، وسأله عن عقله. لكن وقع في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند أبي داود (٢)، من طريق عبدالرحمن بن الصامت ما يدلّ على أن الاستثبات فيه إنما وقع بعد الرابعة، ولفظه: "جاء الأسلميّ، فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرّات، كلّ ذلك يُعرض عنه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأقبل في الخامسة، فقال: "تدري ما الزاني" إلى آخره، والمراد بالخامسة الصفة التي وقعت منه عند السؤال والاستثبات، لأن صفة الإعراض وقعت أربع مرّات، وصفة الإقبال للسؤال وقع بعدها انتهى (٣).

(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أَبِكَ جُنُونٌ؟، قَالَ: لَا) وفي حديث بُريدة: "فسأل أبه جنون؟ فأُخبر بأنه ليس بمجنون"، وفي لفظ: "فأرسل إلى قومه، فقالوا: ما نعلمه إلا وَفِيَّ العقل، من صالحينا"، وفي حديث أبي سعيد: "ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا، إلا أنه أصاب شيئًا، يَرى أنه لا يُخرجه منه إلا أن يُقام فيه الحدّ للَّه"، وفي مرسل سعيد ابن المسيّب: "بَعَث إلى أهله، فقال: أيشتكي؟ أبه جنّة؟ فقالوا: يا رسول اللَّه إنه لصحيح" (٤).

ويجمع بينها بأنه سأله، ثم سأل عنه احتياطًا، فإن فائدة سؤاله أنه لو ادعى الجنون لكان في ذلك دفعٌ لإقامة الحدّ عليه، حتى يظهر خلاف دعواه، فلما أجاب بأنه لا جنون به، سأل عنه، لاحتمال أن يكون كذلك، ولا يُعتدّ بقوله.

وعند أبي داود، من طريق نُعيم بن هَزَّال، قال: "كان ماعز بن مالك يتيمًا في حجر أبي، فأصاب جارية من الحيّ، فقال له أبي: ائت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، ورجا أن يكون له مخرج … "، فذكر الحديث.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فائدة سؤاله "أبك جنون" سترٌ لحاله، واستبعاد أن يُلحّ عاقل بالاعتراف بما يقتضي إهلاكه، ولعلّه يرجع عن قوله، أو لأنه


(١) - ونحوه للمصنف في "الكبرى" رقم ٧١٧٣.
(٢) - وهو في "الكبرى" رقم ٧١٦٥.
(٣) - "فتح" ج ١٤ ص ٨٢، "كتاب الحدود" رقم الحديث ٦٨١٥.
(٤) - "الكبرى" ج ٤ ص ٢٨١ رقم ٧١٧٩.