للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الزبيريّ، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبّان، "عن أبي عمرة" (١).

وهذا هو الصواب، لأنه رواه هكذا الحفّاظ، يحيى القطّان، وحماد بن زيد، وابن جريج، وابن عيينة، كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن محمد بن يحيى بن حبّان، "عن أبي عمرة"، كما رواه ابن وهب، ومصعب الزبيريّ، عن مالك. واللَّه تعالى أعلم.

(عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) الجهنيّ - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ بِخَيْبَرَ) أي في غزوة خيبر المشهورة، ووقع في "الموطإ" روايةِ يحيى بن يحيى الليثيّ "يوم حُنين"، وهو وَهَمٌ، كما نبّه عليه الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي رواية أبي داود: "أن رجلا من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، توفّي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) زاد في رواية أبي داود: "فتغيّرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه … ".

(إِنهُّ غَلَّ) من باب قَعَد (فِي سَبيلِ اللَّه) أي خان في الغنيمة التي حصلت من جهاد الكفّار لإعلاء كلمة اللَّه قبل القسمة، فلا أصلي عليه؛ لينزجر غيره عن ارتكاب الغلول.

قال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وإنما قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صلَّوا على صاحبكم" بأن ذلك كان كالتشديد لغير الميت، من أجل أن الميت قد غَلّ لينتهي الناس عن الغلول؛ لما رأوا من ترك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الصلاة عليه بنفسه، وكانت صلاته على من صلّى عليه رحمةً، فلهذا لم يُصلّ عليه، واللَّه أعلم.

وفي قوله: "صلّوا على صاحبكم" دليل على أن الذنوب لا تخُرج المذنب عن الإيمان؟ لأنه لو كفر بغلوله -كما زعمت الخوارج- لم يكن ليأمر بالصلاة عليه؛ لأن الكافر لا يُصلي عليه المسلمون، لا أهل الفضل، ولا غيرهم.

وأما ترك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الصلاة عليه، وأمر غيره بالصلاة عليه؛ لأنه كان لا يُصلي على من ظهرت منه كبيرة؛ ليرتدع الناس عن المعاصي، وارتكاب الكبائر، ألا ترى أنه لم يصلّ على ماعز الأسلميّ (٢)، وأمر غيره بالصلاة عليه، ولم يصلّ على الذي قتل نفسه، ولا على كثير ممن أقام عليه الحدُود؛ ليكون ذلك زاجرًا لمن خلفهم، ونحو ذلك، وهذا أصل في أن لا يُصلي الإمام، وأئمّة الدين على الْمُحْدِثِينَ، ولكنّهم لا يُمنَعُونَ الصلاةَ عليهم، بل يأمر بذلك غيره، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صلّوا على صاحبكم" انتهى كلام الحافظ ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٣).


(١) - راجع "الاستذكار" ج ١٤ ص ١٩٣ - ١٩٤. "كتاب الجهاد" -"باب ما جاء في الغلول".
(٢) تقدّم أن الراجح أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صَلَّى على ماعز - رضي اللَّه عنه -، فتنبَّه.
(٣) - "الاستذكار" ج ١٤ ص ١٩٤ - ١٩٥ كتاب الجهاد -باب ما جاء في الغلول.