للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ببعض تصرّف (١). وهو كلام نفيس، وبحث أنيس.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وفي هذا الحديث دليل للشافعيّ، والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد، وممن قال به أحمد، وإسحاق، قال ابن عبد البرّ: ورواه المدنيون في "الموطإ" عن مالك، وبه قال ابن حبيب المالكيّ. وقال ابن أبي ذئب، وأبو حنيفة، ومالك في المشهور عنه: لا تصحّ الصلاة عليه في المسجد بحديث في "سنن أبي داود": "من صلى على جنازة في المسجد، فلا شيء له". ودليل الشافعيّ، والجمهور حديث سهيل ابن بيضاء. وأجابوا عن حديث "سنن أبي داود" بأجوبة:

أحدها: أنه ضعيف، لا يصحّ الاحتجاج به، قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف، تفرّد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف.

الثاني: أن الذي في النسخ المشهورة المحقّقة المسموعة من "سنن أبي داود": "ومن صلّى على جنازة في المسجد، فلا شيء عليه"، ولا حجّة لهم حينئذ فيه.

الثالث: أنه لو ثبت الحديث، وثبت أنه قال: "فلا شيء له"، لوجب تأويله على فلا شيء عليه، ليُجمَع بين الروايتين، وبين هذا الحديث، وحديث سهيل ابن بيضاء، وقد جاء "له" بمعنى "عليه"، كقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧].

الرابع: أنه محمول على نقص الأجر في حقّ من صلّى في المسجد، ورجع، ولم يشيّعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة، وحضور دفنه (٢). واللَّه تعالى أعلم. انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر من أقوال أهل العلم، وأدلتهم في حكم الصلاة على الجنازة في المسجد أن المذهب الصحيح، هو ما عليه الجمهور، من أنه جائز، بلا كراهة، لأن أدلة المانعين غير صالحة لمعارضة ما صحّ عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعن الخلفاء الراشدين، كما سبق تفصيله، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٩٦٨ - أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ, عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَمْزَةَ, أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ, أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ, قَالَتْ: "مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ, إِلاَّ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ".


(١) - "الاستذكار" ج ٨ ص ٢٧٢ - ٢٧٦. "كتاب الجنائز" - "باب الصلاة على الجنائز في المسجد".
(٢) - قلت: هذا الوجه ضعيف، لأنه ينافي إثبات قيراط واحد لمن صلى، ورجع، وهو ثابت في "الصحيحين". فتنبّه.
(٣) - "شرح صحيح مسلم" ج ٧ ص ٤٣ - ٤٤ "كتاب الجنائز".