للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استوعب اختلاف الصحابة، فمن بعدهم، أبو بكر ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-، في كتابه "الأوسط" [ج ٥ ص ٤٢٩/ ٤٣٥]، كما أسلفنا عنه بعض كلامه، وأبو محمد ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "المحلّى" [ج ٥ ص ١٢٨/ ١٢٤] وقد فنّد -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- دعوى الإجماع على أربع تكبيرات، فأجاد، وأفاد.

قال: ولم نجد عن أحد من الأئمة تكبيرًا أكثر من سبع، ولا أقلّ من ثلاث، فمن زاد على خمس، وبلغ ستا، أو سبعًا، فقد عمل عملاً، لم يصحّ عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قط، فكرهناه لذلك، ولم ينه - عليه السلام - عنه، فلم نقل: بتحريمه؛ لذلك، وكذلك القول فيمن كبّر ثلاثًا، وأما ما دون الثلاث، وفوق السبع، فلم يفعله النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا علمنا أحدًا قال به، فهو تكلّف، وقد نهينا أن نكون من المتكلّفين. انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- باختصار (١).

والحاصل أن الأولى أن يكبّر أربعًا، فلو بلغ خمسًا، فلا بأس، لصحة الحديث بذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في رفع اليدين في تكبيرات الصلاة على الجنازة:

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أجمع عوامّ أهل العلم على أن المصلي على الجنازة يرفع يديه في أول تكبيرة يكبّرها، واختلفوا في رفع اليدين في سائر التكبيرات:

فقالت طائفة: تُرفع الأيدي في كلّ تكبيرة على الجنازة، كذلك كان عمر يفعل. وبه قال عطاء، وعمر بن عبد العزيز، وقيس بن أبي حازم، والزهريّ، وسالم بن عبد اللَّه بن عمر، وروينا ذلك عن مكحول، والنخعيّ، وموسى بن نعيم، وبه قال الأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.

واختُلِفَ فيه عن مالك، فحكى ابن وهب عنه أنه قال: يعجبني أن يرفع اليدين في التكبيرات الأربع، وحكى ابن نافع عنه أنه قال: أستحبّ أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى، وحكى ابن القاسم أنه حضره يصلي على الجنازة، فما رفع يديه في أول تكبيرة، ولا غيرها.

وقالت طائفة: ترفع اليد في أول تكبيرة من الصلاة على الميت، ثم لا ترفع بعدُ كذلك قال الثوريّ، وأصحاب الرأي، ورُوي ذلك عن النخعيّ، خلافَ القول الأول عنه.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بقول ابن عمر أقول؛ اتباعًا له، ولأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لما بيّن رفع


(١) - "المحلّى" ج ٥ ص ١٢٨.