للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمفعول، ويحتمل أن يكون بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير الْحَفّار، وهو من ألحد رباعيًا، أو من لَحَدَ، كنفع، ثلاثيّا، قال في "المصباح": اللَّحْدُ: الشَّقُّ في جانب القبر، ولَحَدت اللحدَ لَحْدًا، من باب نفع، وألحدته، إلحادًا: حَفَرته، ولَحَدت الميتَ، وألحدته: جعلته في اللحد انتهى.

وفي بعض النسخ: "ولَمَّا يُلحَد"، و"لما" بمعنى "لم"، والجملة في محلّ نصب على الحال. وقوله: (فَجَلَسَ) جواب "لَمّا"، من قوله: "فلما انتهينا"، والفاء زائدة (وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ) بالنصب على الظرفيّة، أي في الجهات المحيطة بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومثلُ حَوْلَه حَوْالَيه، أفاده في "المصباح".

وهذا محلّ الترجمة، حيث إنه يدلّ على أنهم جلسوا قبل أن توضع الجنازة في اللحد، مع أنهم خرجوا متبعين لها، وقد قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ومن تبعها، فلا يقعدنّ حتى توضع"، وفي رواية: "حتى توضع في اللحد"، وفي رواية: "حتى توضع بالأرض"، وكأن المصنّف يرجّح رواية "في اللحد"، وقد تقدّم في [٤٥/ ١٩١٤] أن البخاريّ، وأبا داود رجحا رواية: "بالأرض".

(كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ) قال في "النهاية": معناه وَصْفُهُمْ بالسكون، والوقار، وأنهم لم يكن فيهم طَيش، ولا خِفّة، لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن انتهى (١).

وفيه أدب الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، وتعظيمهم للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وسكونهم عند سماع كلامه.

[تنبيه]: هذا الحديث اختصره المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو حديث طويل، وقد ساقه أبو داود -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "كتاب السنّة" من "سننه" بتمامه، فقال:

٤٧٥٣ - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدئنا جرير ح وحدثنا هَنّاد بن السَّرِيّ، حدثنا أبو معاوية -وهذا لفظ هناد- عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: خرجنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولما يلحد، فجلس رسول - صلى اللَّه عليه وسلم -، وجلسنا حوله، كأنما على رءوسنا الطير، وفي يده عُود، يَنكُتُ به في الأرض، فرفع رأسه، فقال: استعيذوا باللَّه، من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثا، زاد في حديث جرير هاهنا: وقال: وإنه ليسمع خفق نعالهم، إذا ولوا مدبرين، حين يقال له: يا هذا، من ربك؟، وما دينك؟، ومن نبيك؟، قال هناد: قال: ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟، فيقول: ربي اللَّه، فيقولان له: ما دينك؟، فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ قال:


(١) - "النهاية" ج٣ ص ١٥٠.