للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفاء للتعليل، فهو تعليل للأمر بتزميلهم بدمائهم، والضمير للشأن، وضمير الشأن هو الضمير الذي يُفسَّر بجملة بعده، أي لأنه (لَيْسَ كَلْمٌ) بفتح الكاف، وسكون الميم، أي جرح، والمراد به العضو الجريح، بدليل قوله: "يكلم"، أو هو بمعناه المصدريّ، ويكون معنى "يُكلم": أي يُعمل، ويُفعل (يُكْلَمُ) بالبناء للمفعول، أي يُجرح (فِي اللَّهِ) أي مخلصًا للَّه، ومريدًا إعلاء كلمة اللَّه، لا يُرائي، ولا يكاثر، ولا يقاتل للعصبيّة (إِلَّا يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى) بفتح الياء، وسكون الدال، وفتح الميم، وزان يَرْضَى، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: دَمِيَ الْجُرْح، دَمًى، من باب تَعِبَ، ودَمْيًا أيضا، على التصحيح: خرج منه الدم، فهو دَمٍ على النقص، ويتعدّى بالألف، والتشديد، وشَجَّةٌ داميةٌ للتي يخرج دمها، ولا يسيل، فإن سال فهي الدامعة، ويقال: أصل الدم دَمْيٌ، بسكون الميم، لكن حُذفت اللام، وجُعلت الميم حرفَ إعراب. وقيل: الأصل بفتح الميم، ويُثنّى بالياء، فيقال: دَمَيان، وقيل: أصله واو لهذا يقال: دموان، وقد يثنّى على لفظ الواحد، فيقال: دمان انتهى (١) (لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ المِسْكِ") يعني أن لون ذلك الْكَلْم كلون الدم، وريحَهُ كريح المسك. وهذا بيان لسبب دفنهم بدمائهم، وعدم مشروعيّة غسلهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث عبد اللَّه بن ثعلبة - رضي اللَّه عنه - عنه هذا صحيح.

فإن قلت: تقدّم أن عبد اللَّه بن ثعلبة له رؤية، واختلف في روايته، فكيف يصحّ؟.

قلت: قد أثبت صحبته البغويّ، فقال: رأى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وحفظ عنه، له صحبه، وذكره ابن حبّان في الصحابة. وقال ابن السكن: يقال: له صحبة (٢). وأيضًا قد ثبت في غير رواية المصنّف أنه رواه عن جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما -، فقد أخرجه أحمد في "مسنده"، بسند صحيح عنه، فقال:

٢٣١٤٧ - حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن أبي صُعَير عن جابر ابن عبد اللَّه، قال: لما كان يومُ أحد، أشرف النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، على الشهداء الذين قتدوا يومئذ، فقال: "زملوهم بدمائهم، فإني قد شهدت عليهم، فكان يُدفن الرجلان، والثلاثة، في القبر الواحد، ويسأل أيهم كان أقرأ للقرآن؟، فيقدمونه، قال جابر: فدفن أبي وعمي يومئذ في قبر واحد انتهى. والحاصل أن الحديث صحيح. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - "المصباح" في مادة دمي.
(٢) - راجع "الإصابة" ج ٥ ص٣٠.