للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: هذا حديث على شرط مسلم، وقد أخرج بإسناده غير الكتابة، فإنها لفظة صحيحة غريبة.

قال الحاكم: وكذلك رواه أبو معاوية، عن ابن جريج، ثم أخرجه بسنده عن سعيد ابن منصور، ثنا أبو معاوية، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: "نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن تجصيص القبور، والكتاب فيها، والبناء عليها، والجلوس عليها". قال: هذه أسانيد صحيحة، وليس العمل عليها، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم، وهو عمل أَخَذَ به الخلف عن السلف انتهى.

وتعقّبه الحافظ الذهبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "تلخيص المستدرك"، فقال: ما قلت طائلا، ولا نعلم صحابيّا فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين، فمن بعدهم، ولم يبلغهم النهي انتهى كلام الذهبيّ.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أن زيادة الكتابة في حديث جابر - رضي اللَّه عنه - صحيحة ثابتة من طريق أبي الزبير أيضًا، فتدلّ على تحريم الكتابة على القبر.

ثم إن الحافظ الذهبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أحسن، وأجاد حيث تعقّب على الحاكم فيما قاله، فإن ما قاله مخالف لهذا الحديث الصحيح، ودعواه عمل المسلمين بخلافه غير صحيحة، فلم يصحّ ذلك عن أحد من الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، وإنما هو أمر محدَث مخالف للسنة الصحيحة، فلا يجوز العمل به.

بل المنقول عن السلف كراهته عكس ما قاله الحاكم، فقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنّفه" ج ٣ ص ٣٣٤ - ٣٣٥ - بسند صحيح عن محمد -يعني ابن سيرين- أنه كره أن يُعَلَّم القبر. وأخرج عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يعلَّم الرجل قبره. وأخرج عن القاسم، أنه أوصى، قال: يا بُنيّ لا تكتب على قبري، ولا تشرفنه، إلا قدر ما يردّ عني الماء. وأخرج عن الحسن، أنه كره أن يُجعل اللوح على القبر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قال الحافظ أبو الحجّاج المزّيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "تحفة الأشراف": سليمان لم يسمع من جابر، فلعلّ ابن جريج رواه عن سليمان، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مرسلاً، وعن أبي الزبير، عن جابر، مسندًا. ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد الأشجّ، عن حفص ابن غياث، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن جابر، قال: نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يُكتب على القبر شيء. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد عرفت أن سليمان لم ينفرد بزيادة الكتابة، بل ثبتت في رواية أبي الزبير أيضًا، فلا يضرّ في صحتها الانقطاع الذي أشار إليه الحافظ