للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ) قال العلماء: لعلّ هذا كان قبل النهي عن مخاطبته - صلى اللَّه عليه وسلم - باسمه قبل نزول قول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: آية ٦٣] على أحد التفسيرين، أي لا تقولوا: يا محمد، بل يا رسول اللَّه، يا نبيّ اللَّه. ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية، ولم تبلغ الآية هذا القائلَ. قاله النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-.

(أَتَانَا رَسُولُكَ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ) قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: زَعَم، وتَزْعُم مع تصديق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصًا بالكذب، والقولِ المشكوك فيه، بل يكون أيضًا في القول المحقق، والصدق الذي لا شك فيه. وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث. وعن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "زعم جبريل" كذا. وقد أكثر سيبويه، وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله: زعم الخليل، زعم أبو الخطّاب، يريد بذلك القول المحقّق. وقد نقل ذلك جماعة من أهل اللغة، وغيرهم، ونقله أبو عمر الزاهد في "شرح الفصيح"، عن شيخه أبي العباس ثعلب، عن العلماء باللغة، من الكوفيين والبصريين. واللَّه أعلم. انتهى (١).

(أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَرْسَلَكَ، قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("صَدَقَ") أي ذلك الرسول (قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: "اللَّهُ"، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ: "اللَّهُ"، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ فِيهَا الْجِبَالَ؟، قَالَ: "اللَّهُ"، قَالَ: فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا المَنَافِعَ؟ قَالَ: "اللَّهُ"، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ) الباء فيه للقسم، أي أقسمت بالذي خلق السماء، والأرض الخ، وإنما قال ذلك زيادة في التوثيق والتثبيت؛ كما يؤتى بالتأكيد لذلك، ويقع ذلك في أمر يهُتَمّ بشأنه، ولم يقل ذلك لإثبات النبوّة بالحلف، فإن الحلف لا يكفي في ثبوتها، ومعجزاته - صلى اللَّه عليه وسلم - كانت مشهورة، معلومة، فهي ثابتة بتلك المعجزات. قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: فإن الحلف لا يكفي الخ، فيه نظر، إذ لا مانع من أن يكتفي بعض الناس بالحلف عن طلب المعجزات. واللَّه تعالى أعلم.

(وَنَصَبَ فِيهَا الْجبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا المَنَافِعَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟) بمدّ الهمزة للاستفهام؛ كما في قوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} الآية [يونس: ٥٩] (قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ، أَنَّ عَلَينَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ) بنصب "خمسَ" على أنه اسم "أنّ"، والجار والمجرور خبرها مقدمًا على اسمها (فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) فيه دلالة على عدم وجوب الوتر، وعليه الجمهور، وهو الحقّ، وخالف فيَ ذلك الحنفية، فقالوا بوجوب الوتر، وقد تقدَّم الردُّ عليهم في بابه فلا تغفل. (قَالَ: "صَدَقَ"، قَالَ: فَبالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بَهذَا؟، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ، أَنَّ عَلَينَا زَكَاةَ أَمْوَاَلِنَا) ولفظ "الكبرى" "صدقة أموالنا". ولفظ مسلم "زكاة في أموالنا" (قَالَ: "صَدَقَ"، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ،


(١) - "شرح مسلم" ج ٢ ص ١٢٣ - ١٢٤.