للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آللَّهُ أَمَرَكَ بَهِذَا؟، قَالَ: "نَعَم"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ، أَنَّ عَلَينَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، قَالَ: "صَدَقَ") هذا محلّ الشاهد لترجمة المصنّف، حيث إنه يدلّ على وجوب الصيام (قَالَ: فَبالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بَهِذَا؟، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعمَ رَسُولُكَ، أَنَّ عَلَينَا الْحَجَّ من استَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) "من" اسم موصول في محلّ جرّ بدل من الضمير المجرور، أي على من استطاع منا إليه سبيلًا.

ثبت في هذه الرواية ذكر الحجّ عند المصنّف، وكذا هو في "صحيح مسلم"، ولم تثبت في رواية شريك الآتية، وكذا ثبتت في حديث أبي هريرة الآتي، وحديث ابن عباس، كما قاله في "الفتح".

فهذه الروايات كلها تدلّ على بطلان قول ابن التين: إنما لم يذكر الحجّ لأنه لم يكن فُرِض، قال الحافظ: وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقديّ، ومحمد بن حبيب أن قدوم ضمام سنة خمس، فيكون قبل فرض الحج، لكنه غَلَطٌ من أوجه:

[أحدها]: أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم -، وآية النهي في المائدة، ونزولها متأخر جدًّا.

[ثانيها]: أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام، إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد فتح مكة.

[ثالثها]: أن في القصة أن قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة.

[رابعها]: في حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - أن قومه أطاعوه، ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد -وهو ابن بكر بن هوازن- في الإسلام إلا بعد وقعة حنين، وكانت في شوال سنة تسع. وبه جزم ابن إسحاق، وأبو عبيدة، وغيرهما انتهى (١).

(قَالَ: "صَدَقَ"، قَالَ: فَبالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بهَذَا؟، قَالَ: "نَعَمْ") قال صاحب "التحرير" -رحمه اللَّه تعالى-. هذا من حسن سؤال هذا الرجل، وملاحة سياقته وترتيبه، فإنه سأل أوّلًا عن صانع المخلوقات من هو؟، ثم أقسم عليه به أن يَصدُقَه في كونه رسولًا للصانع، ثم لما وقف على رسالته، وعلمها أقسم عليه بحقّ مرسله، وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رَصِين، ثم إن هذه الأَيمان جرت للتأكيد، وتقريرِ الأمر؛ لا لافتقاره إليها، كما أقسم اللَّه تعالى على أشياء كثيرة انتهى.

(قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدَنَّ) بنون التوكيد المشددة، وفيه تأكيد جواب


(١) - "فتح" ج ١ ص ٢٠٦.