للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه ما تقدّم فيما ذُكر عن النسائيّ، وهو أنه غير صحيح؛ لأن قول حذيفة - رضي اللَّه عنه -: إلا أن الشمس لم تطلُع" صريح في إرادته طلوعها حقيقة، لا طلوع الفجر. فتنبّه.

وأصرح في الردّ من هذا رواية الطحاويّ، فقد أخرج الحديث في "شرح معاني الآثار" جـ ٢ ص ٥٤ - ٥٥ من طريق رَوْح بن عُبادة، عن حماد، عن عاصم بن بَهْدَلَة، عن زِز بن حُبيش، قال: تسحّرت، ثم انطلقت إلى المسجد، فمررت بمنزل حذيفة، فدخلت عليه، فأَمَر بلِقْحَة، فحُلبت، وبقِدّرِ، فسُخِّنت، ثم قال: كُلْ، فقلت: إني أريد الصوم، قال: وأنا أريد الصوم، قال: فأكلنا، ثم شربنا، ثم أتينا المسجد، فأقيمت الصلاة، قال: هكذا فعل بي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أو صنعت مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قلت: بعد الصبح؟ قال: بعد الصبح، غير أن الشمس لم تطلع. انتهى.

فهذا صريح في ردّ ما نُقِل عن النسائيّ، من أن المراد قرب النهار، وعلى ما قاله السنديّ، من أن المراد بالشمس الفجر، والمراد قرب طلوع الفجر، فقد صرّح بأنه أكل بعد الصبح.

قال الطحاويّ -رحمه اللَّه تعالى-: ففي هذا الحديث عن حذيفة أنه أكل بعد طلوع الفجر، وهو يريد الصوم، وَيحكِي مثل ذلك عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقد جاء عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - خلاف ذلك، من أنه قال: "إن بلالاً يؤذّن بليل، فكلوا واشربوا، حتى ينادي ابن أم مكتوم". وأنه قال: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه إنما يؤذّن لينتبه نائمكم، وليرجع قائمكم"، ثم وصف الفجر بما قد وصفه به، فدلّ ذلك على أنه هو المانع للطعام والشراب، وما سوى ذلك، مما يُمْنَعُ منه الصائم، فهذه الآثار التي ذكرناها مخالفة لحديث حذيفة.

وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا -واللَّه أعلم- أن يكون كان قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]. انتهى المقصود من كلام الطحاويّ -رحمه اللَّه تعالى-، بشيء من الاختصار.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لكن الحديث لا يصح مرفوعًا؛ كما يأتي قريبًا، فلا يعارض الأحاديث الصحيحة التي أشار إليها الطحاويّ -رحمه اللَّه تعالى-، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث حذيفة - رضي اللَّه عنه - هذا مرفوعًا ضعيف؛ لتفرّد عاصم به، ومخالفته، وهو ممن لا