للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولفظ ابن ماجه: "كان يصوم شعبان كله، يصله برمضان".

ويجمع بين هذه الروايات بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يصوم شعبان كلّه تارة، ويصوم أكثره أخرى؛ لئلا يُتوهّم أنه واجب كله.

ونقل الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد رواية الحديثين عن ابن المبارك أنه كان قال في هذا الحديث: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله تعشّى، واشتغل ببعض أمره.

قال الترمذيّ: كأنّ ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين. يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر انتهى (١).

قال الحافظ في "الفتح": حاصله أن المراد بالكلّ الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال. واستبعده الطيبيّ؛ لأن لفظ الكلّ تأكيد؛ لإرادة الشمول، ودفع التجوّز، فتفسيره بالبعض مناف له، قال: فيحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم معظمه أخرى؛ لئلا يُتوهّم أنه واجب كلّه كرمضان. وقيل: المراد بقولها: "كله" أنه كان يصوم من أوله تارة، ومن آخره أخرى، ومن أثنائه طورًا، فلا يُخْلِي شيئا منه من صيام، ولا يخصّ بعضه بصيام دون بعض.

وقال الزين ابن المنيّر: إما أن يُحمَل قول عائشة على المبالغة، والمراد الأكثر، وإما أن يُجمع بأن قولها الثاني متأخّر عن قولها الأول، فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيًا عن آخر أمره أنه كان يصومه كلّه انتهى.

قال الحافظ: ولا يخفى تكلفه، والأول هو الصواب، ويؤيده رواية عبد اللَّه بن شقيق، عن عائشة عند مسلم، وسعد بن هشام عنها عند النسائيّ، ولفظه: "ولا صام شهرًا كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان". وهو مثل حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - عند البخاري: "ما صام رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - شهرًا كاملاً غير رمضان … " الحديث.

واختُلِف في الحكمة في إكثاره - صلى اللَّه عليه وسلم - من صوم شعبان فقيل: كان يشتغل عن صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر لسفر أو غيره، فتجتمع، فيقضيها في شعبان، أشار إلى ذلك ابن بطال، وفيه حديث ضعيف، أخرجه الطبرانيّ في "الأوسط" من طريق ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه، عن عائشة: "كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -يصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، فربما أخّر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة، فيصوم شعبان". وابن أبي ليلى ضعيف، وحديث الباب، والذي بعده دال على ضعف ما رواه.


(١) - راجع "جامع الترمذيّ" ج ٣ ص ٤٣٦. بنسخة "تحفة الأحوذيّ"