للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من ليس كذلك فلا، لثبوت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم -كان يصوم شعبان كله، أو إلا قليلاً منه، ودعوى الخصوصية في هذا غير صحيحة، لاستثنائه - صلى اللَّه عليه وسلم - من اعتاد صومه من النهي، ولأمره الرجل الذي لم يصم سرر شعبان بقضائه، فلو لم يُشرع له ذلك لما أمره بالقضاء، فدلّ ما ذُكر على الردّ على من ادعى الخصوصيّة.

وقد حمل الإمام ابن خزيمة -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" على من صام شعبان كله، ووصله برمضان، ودونك عبارته:

[باب] إباحة وصل صوم شعبان بصوم رمضان، والدليل على أن معنى خبر أبي هريرة، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا حتى رمضان"، أي لا تصلوا شعبان برمضان، فتصوموا جميع شعبان، أو أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه المرء قبل ذلك، فيصوم ذلك الصيام بعد النصف من شعبان، لا أنه نهى عن الصوم إذا انتصف شعبان نهيًا مطلقًا.

ثم أخرج حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - من طريق عُقَيل، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عنها، قالت: "ما كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يصوم من أشهر السنة أكثر من صيامه من شعبان، كان يصومه كله". ثم أخرجه من طريق هشام -يعني الدستوائيّ- عن يحيى، قال: وزاد: قال: وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن اللَّه لا يملّ حتى تملّوا … " الحديث. انتهى كلام ابن خزيمة (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الظاهر أن ما حمل عليه ابن خزيمة لا يخالف الحمل الذي قدمناه، فإن صيام شعبان كله يؤدي إلى الضعف عن صوم رمضان الذي هو سبب النهي المذكور. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قال القرطبي -رحمه اللَّه تعالى-: وفيه -يعني قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فإذا أفطرت، فصم يومين"- إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان، وأن صوم يوم منه يعدل صوم يومين في غيره أخذًا من قوله في الحديث: "فصم يومين مكانه" يعني مكان اليوم الذي فوّته من صيام شعبان.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا لا يتمّ إلا إن كانت عادة المخاطب بذلك أن يصوم من شعبان يومًا واحدًا، وإلا فقوله: "هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا" أعمّ من أن يكون عادته صيام يوم منه أو أكثر، نعم وقع في "سنن أبي مسلم الكجيّ": "فصم مكان ذلك اليوم يومين". انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) - راجع "صحيح ابن خزيمة" ج ٣ ص ٢٨٢.
(٢) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٧٥٤ - ٧٥٥.