للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هدي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه يصليها جماعة، بخلاف صلاة قيام رمضان، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صرّح بأنها في البيت أفضل، والقياس في مقابلة النصّ فاسد الاعتبار.

هذا كلّه في الأفضلية، وأما أصل أجر قيام الليل، فإنه يحصل بالصلاة جماعة في المسجد، ولا سيّما إذا لم يكن حافظا للقرآن، وأراد أن يستمع لقراءة الإمام الحافظ، أو لا يتمكن من أدائها في البيت على الوجه المطلوب، فتنبّه.

والحاصل أن صلاة التراويح في البيت أفضل من صلاتها في المسجد جماعة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): ظاهر قوله: ": غفر له ما تقدّم من ذنبه" يتناول الصغائر والكبائر، وإلى ذلك جنح ابن المنذر، فقال: هو عامّ يُرجى لمن قامها إيمانًا واحتسابًا أن يُغفر له جميع ذنوبه، صغيرها وكبيرها. وقال النوويّ في "شرح مسلم": المعروف عند الفقهاء أن هذا مختصّ بغفران الصغائر، دون الكبائر، قال بعضهم: ويجوز أن يخفّف من الكبائر، إذا لم يصادف صغيرة (١).

وقال في "شرح المهذّب": قال إمام الحرمين: كلّ ما يرد في الأخبار من تكفير الذنوب، فهو عندي محمول على الصغائر، دون الموبقات. قال النووي: وقد ثبت في "الصحيح" ما يؤيده، فمن ذلك حديث عثمان - رضي اللَّه عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "ما من امرئ مسلم، تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت له كفّارة لما قبلها، ما لم تُؤتَ كبيرةٌ، وذلك الدهرَ كلّه". رواه مسلم.

وعن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفّارة لما بينها من الذنوب، إذا اجتنبت الكبائر".

قال النوويّ: وفي معنى هذه الأحاديث تأويلان:

(أحدهما): تكفّر الصغائر بشرط أن لا يكون هناك كبائر، فإن كانت كبائر لم يُكفّر شيءٌ، لا الكبائر، ولا الصغائر.

(والثاني): -وهو الأصحّ المختار- أنه يكفّر كل الذنوب الصغائر، وتقديره: تغفر ذنوبه كلها إلا الكبار. قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: هذا المذكور في الأحاديث من غفران الصغائر، دون الكبائر هو مذهب أهل السنّة، وأن الكبائر إنما تكفّرها التوبة، أو رحمة اللَّه تعالى انتهى (٢).


(١) - راجع "شرح مسلم" ٦ ص ٢٨٢.
(٢) - راجع "طرح التثريب" ج ٤ ص ١٦٢ - ١٦٣.