للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- رضي اللَّه عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِطَعَامٍ) ببناء الفعل للمفعول (بِمَرِّ الظَّهْرَانِ) قال الفيّومي: ومَرٌّ، وِزَان فَلْس: موضع بقرب مكة، من جهة الشام، نحو مرحلة، وهو منصرف؛ لأنه اسم واد، ويقال له: بَطْنُ مَرّ، ومَرّ الظهران أيضًا انتهى (١) (فَقَالَ: لِأَبِي بَكْرِ وَعُمَرَ) - رضي اللَّه عنهما - (أَدْنِيَا) من الإدناء، رباعيّا، ولفظ "الكبرى": "ادنوا" من الدنوّ ثلاثيًا. قال في "القاموس": دَنَا يَدْنُو دُنُوًا، ودَنَاوَةً: قَرُب، كأدنى، ودَنّاه تَدْنيةً، وأدناه: قَرَّبَه انتهى.

فدلّ على أن هذا الفعل يستعمل في حالتي اللزوم والتعدّي ثلاثيّا، ورباعيّا، والمناسب هنا اللزوم، ويحتمل أن يكون من المتعدّي، والمفعول محذوف، والمعنى قرّبا أنفسكما من الطعام (فَكُلَا، فَقَالَا: إِنَّا صَائِمَانِ) أي فاعتذرا لعدم امتثال الأمر بكونهما صائمين، وهذا يدلّ على أنهما فهما أن أمره ليس أمر إيجاب، يجب امتثاله، وإنما هو أمر إباحة وتخيير (فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (ارْحَلُوا) -بفتح الحاء المهملة- أمر من الرَّحْل، يقال: رَحَلْتُ البعيرَ رَحْلاً، من باب نفع: شددت عليه عليه رَحْلَه. والرَّحْلُ: كلُّ شيء يُعَدّ للرحيل، من وِعَاءٍ للمتاع، ومَرْكَب للبعير، وحِلْسٍ، ورَسَنٍ، وجمعُهُ أرْحَل، ورِحالٌ، مثل أَفْلُس، وسِهَام. أفاده في "المصباح" (لِصَاحِبَيْكُمُ) بالتثنية، وفي "الكبرى": لصاحبكم" بالإفراد في الموضعين (اعْمَلُوا لِصَاحِبَيكُمْ).

يعني أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لسائر الصحابة المفطرين: ارحلوا لصاحبيكم، أي شُدّوا الرحل لهما على البعير، واعملوا لهما، فالمراد الحثّ على معاونتهما فيما يحتاجان إليه، لكونهما صائمين، فيكون المقصود إقرارهما على الصوم، واستحسانه منهما.

ويحتمل أن يكون المراد الإشارة إلى أن صاحب الصوم في السفر يكون كَلاًّ على غيره، فيكون ذمّا، وإنكارًا عليهما، وأن الأفضل أن يفطرا، ولا يحوجا الناس إلى خدمتهما.

ويكون هذا بمعنى ما أخرجه الفريابيّ بإسناد رجاله ثقات عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، قال: "لا تصم في السفر، فإنهم إذا أكلوا طعامًا قالوا: ارفعوا للصائم، وإذا عملوا عملاً قالوا: اكفلوا للصائم، فيذهبوا بأجرك" (٢).


(١) - انظر "المصباح المنير".
(٢) - راجع "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للشيخ الألباني ج١ ص ١٢٥.