للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من المعانى ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} {يُطِيقُونَهُ}: يُكَلَّفُونَهُ) قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: أي يَعُدّونه مشقّة على أنفسهم، ويَحمِلونه بكلفة، وصعوبة، وفي "الكشّاف" وغيره من التفاسير أن هذا المعنى مبنيّ على قراءة ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، وهي يُطَوَّقُونه، -بتشديد الواو، من باب التفعيل، من الطوق، ثم ذكروا عنه روايات أُخَر، ثم ذكروا أنه يصحّ هذا المعنى على قراءة {يُطِيقُونَهُ} أي يبلغون به غاية وسعهم، وطاقتهم، وعلى هذا لا حاجة إلى تقدير حرف النفي على القراء المشهورة، والمشهور أنه على القراءة المشهورة يُقدَّر حرف النفي. واللَّه تعالى أعلم انتهى (١).

وقال الحافظ عند قول البخاريّ: "قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة": ما نصّه:

هذا مذهب ابن عباس، وخالفه الأكثر. وفي هذا الحديث، والذي بعده ما يدلّ على أنها منسوخة، وهذه القراءة تضعّف تأويل من زعم أن "لا" محذوفة من القراءة المشهورة، وأن المعنى: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، وأنه كقول الشاعر:

فَقُلْتُ يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا …

أي لا أبرح قاعدًا، ورُدّ بدلالة القسم على النفي بخلاف الآية، وُيثَبِّت هذا التأويل أن الأكثر على أن الضمير في قوله: {يُطِيقُونَهُ} للصيام، فيصير تقدير الكلام: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية، والفدية لا تجب على المطيق، وإنما تجب على غيره.

والجواب عن ذلك أن في الكلام حذفا تقديره: وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية، وكان هذا في أول الأمر عند الأكثر، ثم نُسخ، وصارت الفدية للعاجز إذا أفطر.

وأما على قراءة ابن عباس -يعني يطوّقونه بالتضعيف- فلا نسخ؛ لأنه يجعل الفدية على من تكلّف الصوم، وهو لا يقدر عليه، فيفطر ويكفّر، وهذا الحكم باق.

وفي هذا الحديث حجة لقول الشافعيّ، ومن وافقه: إن الشيخ الكبير، ومن ذكر معه إذا شق عليهم الصوم، فأفطروا، فعليهم الفدية؛ خلافًا لمالك ومن وافقه.

واختلف في الحامل والمرضع، ومن أفطر لكبر، ثم قوي على القضاء بعدُ، فقال الشافعيّ، وأحمد: يقضون، ويطعمون. وقال الأوزاعيّ، والكوفيون: لا إطعام انتهى كلام الحافظ (٢).


(١) - "شرح السنديّ" ج ٤ ص ١٩١.
(٢) - "فتح" ج ٩ ص ٣٥.