للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرّمة يكون قد فعل مستحبّا وحرامًا، وأيضا فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة للصوم شرعًا، فهي بمنزلة الليل، وأيام الحيض، فلم تدخل في السؤال عند من علم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله: "لَا صام، ولا أفطر" لمن لم يعلم تحريمها. كذا ذكره الحافظ في "الفتح"، وهو ملخّص كلام ابن القيّم في "الهدي".

وقد تعقّب ابن دقيق العيد تأويل الجمهور هذا بوجه آخر، من شاء الوقوف عليه رجع إلى "شرح العمدة" (١).

(الثاني): أنه محمول على من تضرّر به، أو فوّت به حقّا، قالوا: ويؤيده أن النهي كان خطابا لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وقد ذكر مسلم أنه عجز في آخر عمره، ونَدِم على كونه لم يقبل الرخصة، قالوا: فنهى ابن عمرو لعلمه بأنه سيعجز عنه، ويضعف، وأقرّ حمزة لعلمه بقدرته بلا ضرر.

وفيه أن هذا التأويل أيضًا مردود لما سبق من قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث أنس - رضي اللَّه عنه -: "ومن رغب عن سنتي، فليس مني"، ويردّه أيضًا قوله: "لا أفضل من ذلك". ويردّه أيضًا ورود قوله: "لا صام، ولا أفطر"، وقوله: "لا صام من صام الأبد" عن غير واحد من الصحابة، سوى عبد اللَّه بن عمرو، كما تقدّم. ويردّه أيضًا حديث أبي موسى المتقدّم، وكلّ ذلك يدلّ على أن هذا الحكم ليس خاصًا بابن عمرو، بل هو عامّ لجميع المسلمين، وأما إقراره لحمزة على سرد الصوم، فلا حجة فيه، كما سبق.

(الثالث): أن معنى "لا صام" أنه لا يجد من مشقّته ما يجدها غيره، فيكون خبرًا لا دعاء.

وتعقّبه الطيبيّ بأنه مخالف لسياق الحديث، ألا تراه كيف نهاه عن صيام الدهر كله، ثم حثّه على صوم داود، والأولى أن يكون خبرًا عن أنه لم يمتثل أمر الشارع، أو دعاء كما تقدّم.

وأجابوا عن حديث أبي موسى المتقدم ذكره بأن معناه ضُيّقت عليه، فلا يدخلها، فعلى هذا تكون "على" بمعنى "عن"، أي ضيقت عنه، وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مسدّد، وحكى ردّه عن أحمد، كما سبق.

وقال ابن خزيمة: سألت المزنيّ عن هذا الحديث؟ فقال: يشبه أن يكون معناه ضُيقت عنه، فلا يدخلها، ولا يشبه أن يكون على ظاهره؛ لأن من ازداد عملاً وطاعةً


(١) - راجع "شرح العمدة" ج ٣ ص ٤٠٩ - ٤١٢ بنسخة الحاشية.