للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): فيما قاله أهل العلم في نصاب البقر:

قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: لا خلاف بين العلماء أن السنّة في زكاة البقر ما في حديث معاذ - رضي اللَّه عنه - هذا، وأنه النصاب المجمع عليه فيها. قال: وعلى ذلك جماعة الخلفاء، ولم يختلف في ذلك العلماء، إلا شيء روي عن سعيد بن المسيّب، وأبي قلابة، والزهريّ، وعمر بن عبد الرحمن بن أبي خلدة المزنيّ، وقتادة، ولا يُلتفت إليه لخلاف الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز، والعراق، والشام له، وذلك لما قدّمنا عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه، وجمهور العلماء، وهو يردّ قولهم؛ لأنهم يرون في كلّ خمس من البقر شاةً إلى ثلاثين، واعتقوا بحديثٍ لا أصل له، وهو حديث حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن حَزْم، ذكره بإسناده أنه في كتاب عمرو بن حزم. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصواب عندي ما ذهب إليه الجمهور من أن نصاب البقر ثلاثون، وأما ما نقل عن ابن المسيّب ومن ذُكِرَ معه فمما لا يُلْتَفَتُ إليه؛ لعدم استناده إلى دليل معتبر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم فيما زاد على الأربعين من البقر:

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: ذهب مالك، والشافعيّ، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، والطبريّ، وجماعة أهل الفقه، من أهل الرأي والحديث إلى أن لا شيء فيما زاد على الأربعين من البقر حتى تبلغ ستّين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا بلغت سبعين، ففيها تبيعٌ، ومسنّةٌ، إلى ثمانين، فيكون فيها مسنّتان إلى تسعين، فيكون فيها ثلاث تبائع، إلى مائةٍ، فيكون فيها تبيعان ومسنّة، ثم هكذا أبدًا في كلّ ثلاثين تبيعًا، وفي كلّ أربعين مسنّة.

وبهذا أيضًا كلّه قال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن.

وذهب أبو حنيفة: إلى أن ما زاد على الأربعين من البقر فبحساب ذلك. هذه هي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة. وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعيّ، وسائر الفقهاء. وكان إبراهيم النخعيّ يقول: من ثلاثين بقرةً تبيع، وفي أربعين مسنّة، وفي خمسين مسنّةٌ، وفي ستين تبيعان. وكان الحكم وحمادٌ يقولان: إذا بلغت خمسين فبحساب ما زاد.

قال أبو عمر: لا أقول في هذا الباب إلا ما قاله مالكٌ، ومن تابعه، وهم الجمهور الذين بهم تجب الحجّة على من خالفهم، وشذّ عنهم إلى ما فيه عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه مما تقدّم في هذا الباب ذكره. انتهى كلام ابن عبد البرّ بتصرّف (٢).


(١) - "الاستذكار" ج ٩ ص ١٥٦ - ١٦١.
(٢) - المصدر السابق.