للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زمان عبد الملك بن مروان، وأنه جمعها برأي العلماء، وجعل كلّ عشرة سبعةَ مثاقيل، وزن الدرهم ستة دوانيق. قول باطل.

وإنما معنى ما نُقل في ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام، وعلى صفة لا تختلف، بل كانت مجموعات من ضرب فارس، والروم، وصغارًا، وكبارًا، وقطع فضّة غير مضروبة، ولا منقوشة، ويمنيّة، ومغربيّة، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام، ونَقشِهِ، وتصييرها وزنا واحدًا، لا يختلف، وأعيانًا يُستغنى فيها عن الموازين، فجمعوا أكبرها، وأصغرها، وضربوه على وزنهم.

قال القاضي: ولا شكّ أن الدراهم كانت حينئذ معلومة، وإلا فكيف كان يتعلّق بها حقوق اللَّه تعالى، من الزكاة وغيرها، وحقوق العباد، ولهذا كانت الأوقيّة معلومة.

قال ابن الملقّن: وقال بعض أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف، وهو أن الدراهم ستة دوانيق، وكلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغيّر المثقال في الجاهليّة ولا في الإسلام.

(واعلم): أن الدراهم كانت في الجاهليّة على نوعين مختلفين: بغليّة، وطبريّة، نوع عليه نقش فارس، والآخر نقش الروم. فالبغليّة نسبة إلى ملك يقال له: رأس البغل، وهي السود، كلّ درهم منها ثمانية دوانيق. والطبرية نسبة إلى طبرية الشام، وزن كلّ درهم منها أربعة دوانيق، وهي العتق، فقدّر الشرع في الإسلام الدرهم ستة دوانيق، جمعًا بينهما، ووقع الإجماع عليه من غير ضرب، وكانوا يتعاملون بهذا التقدير الشطر من هذه، والشطر من هذه عند الإطلاق، ما لم يعيّنوا بالنصّ أحد النوعين، وكذلك كانوا يؤدّون الزكاة في أول الإسلام باعتبار مائة من هذه، ومائة من هذه في النصاب. هكذا قاله أبو عُبيد وغيره. وهي الخمسة الأواقي المذكورة في الحديث، ولم يُخالف في ذلك أحدٌ إلا ابن حبيب الأندلسيّ، فإنه زعم أن كلّ بلد يتعاملون بعرفهم في الدراهم، وهو خلاف قول الجمهور، وَيعضد قولهم ما ثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الوزن وزن مكّة (١) وهذا المقدار هو الذي كان أهل مكة يتعاملون به في عصره - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلما تمكّن الإسلام، واتسع، ضُربت الدراهم على ضرب الإسلام تحرجًا من تلك النقوش، وتحرّيًا لمعاملتهم الإطلاقيّة، فنُسب التقدير إلى من ضُربت في زمنه ابتداءً، وليس كذلك، بل كان ذلك إظهارًا للضرب، لا ابتداء تقدير.

واختُلف في زمن من ابتدىء إظهار ذلك: فقيل: في زمن عمر بن الخطّاب. وقيل:


(١) - سيأتي للمصنف في -٤٤/ ٢٥٢.