للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي "مسند أحمد" عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - في زكاة الفطر: "على كلّ حرّ، وعبد، ذكرِ، وأنثى، صغير، أو كبير، فقير، أو غنيّ، صاع من تمر، أو نصف صاع من قَمْحٍ" (١). قال معمر: وبلغني أن الزهريّ كان يرويه إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.

وروى الدارقطنيّ عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن أبي صُعَير، عن أبيه أنّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "أدّوا صاعًا من قَمح، أو قال: برّ، عن الصغير، والكبير، والذكر والأنثى، والحرّ والمملوك، والغنيّ والفقير، أما غنيّكم، فيزكّيه اللَّه، وأما فقيركم، فيردّ عليه أكثر مما أعطى" (٢).

ومال ابن العربيّ المالكيّ إلى مقالة أبي حنيفة في ذلك، فقال: والمسألة له قويّة، فإن الفقير لا زكاة عليه، ولا أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بأخذها منه، وإنما أمر بإعطائها له، وحديث ثعلبة لا يُعارض الأحاديث الصحاح، ولا الأصول القويّة، وقد قال: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول"، وإذا لم يكن هذا غنيًّا، فلا تلزمه الصدقة انتهى.

قال الحافظ وليّ الدين: وهو ضعيف، وليس التمسك في ذلك بحديث ثعلبة، وإنما التمسّك بالعموم الذي في قوله: "فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على الناس". وقد ذكر هو في أول كلامه: إلا أنا اعتبرنا القدرة على الصاع؛ لما عُلِم من القواعد العامّة، فأخرجنا عن ذلك العاجز عنه. واللَّه أعلم انتهى كلام وليّ الدين (٣).

وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "النيل": قد اختُلف في القدر الذي يُعتبر ملكه لمن تلزمه الفطرة، فقال أبو حنيفة، وأصحابه: إنه يُعتبر أن يكون المخرج غنيًّا غنى شرعيًّا. واستُدلّ لهم بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى". أخرجه أحمد، من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا. وبالقياس على زكاة المال. ويجاب بأن الحديث لا يفيد المطلوب؛ لأنه بلفظ: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى". كما أخرجه أبو داود انتهى.

وأخرجه البخاريّ أيضًا بهذا اللفظ، وهو مشعر بأن النفي في رواية أحمد للكمال، لا للحقيقة، فالمعنى: لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى.

قال الشوكانيّ: وأما الاستدلال بالقياس، فغير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق؛ إذ وجوب الفطرة متعلّق بالأبدان، والزكاة بالأموال.

وقال مالكٌ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق: إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكًا


(١) - هو موقوف رجاله ثقات.
(٢) - ضعيف؛ لكثرة اضطرابه سندًا، ومتنًا. انظر "نصب الراية" ج ٢ ص ٤٠٦ - ٤١٠.
(٣) - "طرح التثريب" ج ٤ ص ٦٥ - ٦٦.