للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو داود: وهو صاع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. وأخرج من طريق عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، قال: ذكر أبي أنه عير مدّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالحنطة، فوجدها رطلا وثلثًا في البرّ. قال: ولا يبلغ من التمر هذا المقدار. وأخرج من طريق إسماعيل بن إسحاق، قال: دفع إلينا إسماعيل ابن أبي أويس المدَّ، وقال: هذا مدّ مالك، وهو على مثال مدّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فذهبت به إلى السوق، وخُرِط لي (١) عليه مُدٌّ، وحملته معي إلى البصرة، فوجدته نصف كَيلَجة (٢) بكَيلَجة البصرة، يزيد على كيلجة البصرة شيئًا يسيرًا خفيفًا، إنما هو شبيه بالرجحان الذي لا يقع عليه جزء من الأجزاء، ونصف كيلجة البصرة هو ربع كيلجة بغداد، فالمدّ ربع الصاع، والصاع مقدار كيلجة بغداديّة يزيد الصاع عليها شيئًا يسيرًا.

قال أبو محمد: وخُرِط لي مدّ على تحقيق المد المتوارث عند آل عبد اللَّه بن علي الباجيّ، وهو عند أكبرهم، لا يفارق داره، أخرجه إليّ ثقتي الذي كلّفته ذلك علي بن عبد اللَّه بن أحمد بن عبد اللَّه بن عليّ المذكور، وذكر أنه مدّ أبيه وجدّه، وأبي جدّه، أخذه، وخرطه على مدّ أحمد بن خالد، وأخبره أحمد بن خالد أنه خرطه على مدّ يحيى ابن يحيى الذي أعطاه إياه ابنه عبيد اللَّه بن يحيى، وخرطه يحيى على مدّ مالك، ولا أشكّ أن أحمد بن خالد صححه أيضًا على مدّ محمد بن وضاح الذي صححه ابن وضاح بالمدينة.

قال أبو محمد: ثم كلته بالقمح الطيب، ثم وزنته، فوجدته رطلًا واحدًا ونصف رطل بالفلفليّ، لا يزيد حبّة، وكلته بالشعير، إلا أنه لم يكن بالطيب، فوجدته رطلًا واحدًا ونصف أوقيّة. وهذا أمر مشهور بالمدينة، منقول نقل الكافّة، صغيرهم وكبيرهم، وصالحهم وطالحهم، وعالمهم وجاهلهم، وحرائرهم، وإمائهم، كما نقل أهل مكة موضع الصفا والمروة، والاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدّهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا والمروة، ولا فرق، وكمن يعترض على أهل المدينة في القبر والمنبر والبقيع، وهذا خروج عن الديانة والمعقول.

قال: وقد رجع أبو يوسف إلى الحقّ في هذه المسألة، إذ دخل المدينة، ووقف على أمداد أهلها انتهى كلام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن الأرجح في مقدار الصاع هو ما


(١) - يقال: خرطتُ العودَ: إذا قَشَرته، وسوّيته. أفاده في "القاموس".
(٢) - الكَيلَجة -بفتح الكاف، وضبطه بعضهم بفتحها وفتح اللام، والجيم: وهو كيل معروف لأهل العراق. انظر "المصباح"، و"القاموس".
(٣) - راجع "المحلى" ج ٥ ص ٢٤٥ - ٢٤٦.