للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشافعية، إلا إذا فُقد المستحقّون لها.

وقال الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه": "باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وتردّ في الفقراء، حيث كانوا". قال الإسماعيليّ: ظاهر حديث الباب أن الصدقة تردّ على فقراء من أُخذت من أغنيائهم. وقال ابن المنيّر: اختار البخاريّ جواز نقل الزكاة من بلد المال؛ لعموم قوله: "فترد في فقرائهم"؛ لأن الضمير يعود على المسلمين، فأي فقير رُدّت فيه الصدقة، في أيّ جهة كان، فقد وافق عموم الحديث انتهى.

قال الحافظ: والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل، وأن الضمير يعود على المخاطبين، فيختصّ بذلك فقراؤهم، لكن رجّح ابن دقيق العيد الأول، وقال: إنه، وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقوّيه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلّيّة لا تُعتبر، فلا تُعتبر في الزكاة، كما لا تعتبر في الصلاة، فلا يختصّ بهم الحكم، وإن اختصّ بهم خطاب المواجهة انتهى.

وقال الحافظ بعد ذكر قول الشافعية بعدم جواز النقل، إلا إذا فقد المستحقّون لها: ما نصّه: ولا يبعد أنه اختيار البخاريّ؛ لأن قوله: "حيث كانوا" يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد، وفيه من هو متّصف بصفة الاستحقاق انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن عدم نقل الزكاة هو الأصل، لكن إذا كانت هناك مصلحة راجحة، جاز نقلها، وذلك بأن فُقِد المستحقّون لها في ذلك البلد، أو لمصلحة تترجّح، كأن يكون المنقول إليهم أشدّ حاجة من فقراء بلد المال، أو كانوا أقرباء للمزكّي، أو نحو ذلك، فإن كان كذلك، فلا بأس بنقلها؛ لأن الصدقات كانت تنقل إلى المدينة في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما دلّت عليه أحاديث كثيرةٌ:

(منها): ما أخرجه الشيخان، وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لما جاءت صدقات بني تميم: "هذه صدقات قومنا … " الحديث. فبنو تميم من أهل نجد، فنقلت صدقاتهم إلى المدينة.

(ومنها): ما أخرجه الشيخان، وغيرهما أيضًا من حديث قبيصة بن مُخَارِق - رضي اللَّه عنه -، أنه تحمّل حمالة، فأتى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال له: "أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها … " الحديث بطوله، ومعلوم أن قبيصة - رضي اللَّه عنه - أيضًا ليس من أهل المدينة (٢)، ووعده - صلى اللَّه عليه وسلم - ليدفع له الصدقة حتى يذهب بها من المدينة إلى بلده.


(١) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ١٢٦.
(٢) - يقال: إنه من أهل نجد، واللَّه تعالى أعلم.