للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ترجم البخاريّ على هذا الحديث بلفظ الاستفهام، فقال: "باب إذا تصدق على غنيّ، وهو لا يعلم"، ولم يجزم بالحكم انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فيما قاله نظر من وجهين:

(الأول): أن قوله: "بلفظ الاستفهام" غير صحيح، بل إنما هو بلفظ الشكّ، ولم يذكر جوابه اتكالًا على كونه معلوما من نصّ الحديث، حيث قال: "أما صدقتك، فقد تقبّلت"، كما في رواية مسلم، والمصنّف، وغيرهما.

(الثاني): قد تقدّم أن وجه الاستدلال به على الإجزاء في الصدقة الواجبة أن قوله: "لأتصدّقنّ" من باب الالتزام، كالنذر، فصارت الصدقة واجبة عليه، وقد قرّر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - رؤيا المتصدّق في قبول صدقته، فصحّ الاستدلال به في إجزاء زكاة الفرض. واللَّه تعالى أعلم.

قال في "الفتح": [فإن قيل]: إن الخبر إنما تضمن قصّة خاصّة، وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقيّة، فمن أين يقع تعميم الحكم؟ [فالجواب]: أن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف، هو الدّالّ على تعدية الحكم، فيقتضي ارتباط القبول بهذه الأسباب انتهى (١):

(ومنها): أن شريعة من قبلنا شريعة لنا، إذا لم يأت في شرعنا ما يخالفه، وهذا هو القول الحقّ، وهو مذهب البخاريّ، ومسلم، والمصنّف، حيث أوردوا حديث الباب للاحتجاج على إجزاء الزكاة إذا دُفعت لغير مستحقّها جهلًا. وسيأتي تمام البحث في المسألة الخامسة، إن شاء اللَّه تعالى.

(ومنها): استحباب إعادة الصدقة إذا لم يقع موقعها، وإن أجزأت (ومنها): أن الحكم للظاهر حتى يتبيّن سواه (ومنها): بركة التسليم والرضا، وذمّ التضجّر والتسخط بالقضاء، كما قال بعض السلف: لا تقطع الخدمة، ولو ظهر لك عدم القبول (ومنها): فضل صدقة السرّ، وفضل الإخلاص. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم دفع الزكاة لغنيّ، أو نحوه، ممن لا يستحقّها على ظنّ أنه يستحقّها:

قال العلاّمة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: إذا أعطى من يظنّه فقيرًا، فبان غنيًّا، فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: يجزئه، أي تسقط عنه الزكاة، ولا تجب عليه الإعادة،


(١) -"فتح" ج ٤ ص ٤١.