للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صَدَقَةٌ") أي على سبيل الاستحباب المتأكّد، أو على ما هو أعم من ذلك، والعبارة صالحة للإيجاب، والاستحباب، كقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "على المسلم ستّ خصال … "، فذكر منها ما هو مستحبّ اتفاقًا. وزاد أبو هريرة - رضي اللَّه عنه - في حديثه تقييد ذلك بكلّ يوم.

ولمسلم من حديث أبي ذر - رضي اللَّه عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "يُصبح على كل سُلامَى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان، يركعهما من الضحى".

و"السُّلَامى" بضمّ المهملة، وتخفيف اللام: المفصل.

وله من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -، عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "إنه خلق كل إنسان، من بني آدم، على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر اللَّه، وحمد اللَّه، وهلل اللَّه، وسبح اللَّه، واستغفر اللَّه، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظما، عن طريق الناس، وأَمَر بمعروف، أو نهى عن منكر، عَدَدَ تلك الستين والثلاثمائة السُّلامَى، فإنه يمشي يومئذ، وقد زحزح نفسه عن النار" (١).

(قِيلَ) وفي نسخة": "فقيل"، وفي رواية البخاريّ: "قالوا: يا نبيّ اللَّه، فمن لم يجد" (أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْهَا؟) أي إن لم يجد الصدقة. قال في "الفتح": كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطيّة، فسألوا عمن ليس عنده شيء من المال، فبيّن لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعمّ من ذلك، ولو بإغاثة الملهوف، والأمر بالمعروف. وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوّع التي تحسب يوم القيامة من الفرائض الذي أخلّ به؟ فيه نظر، الذي يظهر أنها غيرها؛ لما تبيّن من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - المذكور أنها شُرعت بسبب عتق المفاصل، حيث قال في آخر هذا الحديث: "فإنه يُمسي يومئذ، وقد زَحْزَح نفسه عن النار". انتهى (٢).

(قَالَ: "يَعْتَمِلُ") افتعال من العمل، للمبالغة، وفي رواية البخاريّ: "فيعمل" (بِيَدِهِ) وفي نسخة: "بيديه" (فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ) بما يكتسبه من صناعة، وتجارة، ونحوهما بإنفاقه عليها، ومن تلزمه نفقته، ويستغني بذلك عن ذلّ السؤال لغيره (وَيَتَصَدَّقُ) وفي نسخة: "فيتصدّق"، أي ينفع غيره بإعطاء الصدقة، ويكتسب الأجر.

قال القسطلاّنيّ: وقوله: "فيعمل، وينفع، ويتصدّق" بالرفع في الثلاثة خبر بمعنى الأمر. قاله ابن مالك.


(١) - راجع "صحيح مسلم" ج ٧ ص ٩٣ - ٩٤.
(٢) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٦٣.