للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ: قال أهل اللغة: الجِرَّة بكسر الجيم: ما يُخرجه البعير من بطنه ليمضعه، ثمّ يبلعه، والقصع: شدّة المضغ انتهى.

(فَثَلَطَتْ) بمثلّثة، ولام مفتوحتين، ثم طاء. وضبطها ابن التين: بكسر اللام: أي ألقت ما في بطنها رقيقًا. وقال النوويّ: الثَّلْط (١)، وهو الرجيع الرقيق، وأكثر ما يقال للإبل، والبقر، والفيلة انتهى (ثُمَّ بَالَتْ، ثُمَّ رَتَعَتْ) يقال: رَتَعت الماشيةُ، من باب نفع، ورُتُوعًا: رَعَت كيف شاءت. قاله في "المصباح".

والمعنى أنها إذا شبعت، فثقل عليها ما أكلت، تحيّلت في دفعه، بأن تجترّ، فيزاد نُعُومةً، ثم تستقبل الشمس، فتحمى بها، فيسهل خروجه، فإذا خرج زال الانتفاخ، فسلمت، وهذا بخلاف من لم تتمكّن من ذلك، فإن الانتفاخ يقتلها سريعًا.

قال الأزهريّ -رحمه اللَّه تعالى-: وأما قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وإن مما ينبت الربيع ما يَقتُلُ حَبَطًا، أو يُلمّ"، فإن أبا عُبيد فَسّر الْحَبَط، وترك من تفسير هذا الحديث أشياء، لا يستغني أهل العلم عن معرفتها، فذكرتُ الحديث على وجهه لأفسّر منه كلّ ما يُحتاج من تفسيره، ثمّ أورد الحديث بتمامه، ثم قال: وإنما تقصّيت رواية هذا الخبر؛ لأنه إذا بُتِرَ استَغْلَق معناه، وفيه مثلان: ضَرَب أحدَهما للْمُفْرِطِ في جمع الدنيا، مع منع ما جمَع من حقّه. والمثل الآخر ضربه للمقتصد في جمع المال، وبذله في حقّه.

فأما قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطًا، فهو مثل الحريص، والمفرط في الجمع والمنع، وذلك أن الربيع يُنبت أحرار العُشْب التي تَحْلَوْلِيها (٢) الماشيةُ فتستكثر منها، حتى تَنتَفِخ بطونها، وتَهْلِكَ، كذلك الذي يجمع الدنيا، ويَحْرِص عليها، ويَشِحّ على ما جمع حتى يمنع ذا الحقّ حقّه منها يَهلِكُ في الآخرة بدخول النار، واستيجاب العذاب.

وأما مثلُ المقتَصِدِ المحمود، فقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إلا آكلة الْخَضِرِ، فإنها أكلت، حتى إذا امتلأ خَواصرها استقبلت عين الشمس، فثَلَطت، وبالت، ثم رتعت". وذلك أن الْخَضِرَ ليس من أحرار البقول التي تستكثر منها الماشيةُ، فتُهلكه أكلًا، ولكنّه من الْجَنْبَة (٣) التي


(١) - الثّلْطُ -بفتح، فسكون: رقيق سَلْح الفيل ونحوه. قاله في "القاموس".
(٢) - أي تجده حلوًا.
(٣) - الْجَنْبةُ: عامّة الشجر التي تتربّلُ في الصيف. قاله في "القاموس". ومعنى تربّل: أي تنبت.