للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قولكم. وقد صحّ أنه كان - عليه السلام - يترك العمل، وهو يحبّ أن يعمل به، مخافة أن يشقّ على أمته، أو أن يُفْرَضَ عليهم.

والعجب أنهم يستحبون أن يصوم المرء أكثر من نصف الدهر، وأن يقوم أكثر من ثلث الليل، وقد صحّ أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يصم قط شهرًا كاملا، ولا أكثر من نصف الدهر، ولا قام بأكثر من ثلاث عشرة ركعة، ولا أكثر من ثلث الليل، فلم يروا فعله عليه السلام ههنا حجة في كراهة ما زاد على صحّة نهيه عن الزيادة في الصوم، ومقدار ما يقام من الليل على أكثر من ذلك، وجعلوا فعله - عليه السلام - في أنه لم يعتمر في العام إلا مرّة مع حضّه على العمرة، والإكثار منها حجة في كراهة الزيادة على عمرة من العام، وهذا عجبٌ جدًّا انتهى كلام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- (١). وهو بَحْثٌ نفيسٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في أقوال أهل العلم في وقت العمرة:

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: واعلم أن جميع السنة وقت للعمرة، فتصحّ في كلّ وقت منها، إلا في حقّ من هو متلبّسٌ بالحج، فلا يصحّ اعتماره حتى يفرغ من الحجّ، ولا تكره عندنا لغير الحاجّ في يوم عرفة، والأضحى، والتشريق، وسائر السنة، وبهذا قال مالك، وأحمد، وجماهير العلماء.

وقال أبو حنيفة: تكره في خمسة أيام: يوم عرفة، والنحر، وأيام التشريق. وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام: وهي عرفة، والتشريق انتهى كلام النوويّ (٢).

وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبّسًا بأعمال الحجّ، إلا ما نُقل عن الحنفيّة أنه يكره في يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق. ونقل الأثرم عن أحمد: إذا اعتمر فلا بدّ أن يحلق، أو يقصّر، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام؛ ليتمكّن من حلق الرأس فيها. قال ابن قُدامة: هذا يدلّ على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام. انتهى كلام الحافظ (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي في استثناء الأيام التي ذكروا أن العمرة تكره فيها نظر، فالذي يظهر أنها تجوز في كلّ أيام السنة؛ إذ لا نصّ، ولا إجماع في استثناء بعض الأيام المذكورة، حتى نعتمد عليه في كراهتها فيه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) "المحلّى" جـ ٧ ص ٦٨ - ٦٩.
(٢) - "شرح صحيح مسلم" ج ٩ ص ١٢٢.
(٣) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٤٣٣.