للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخالف الجميع معمرٌ، عن يحيى بن أبي إسحاق، فقال في روايته: "إن امرأة سألت عن أمّها".

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا الاختلاف كلّه عن سليمان بن يسار، فأحببنا أن ننظر في سياق غيره، فإذا كريب قد رواه عن ابن عبّاس، عن حصين بن عوف الخثعميّ، قال: "قلت: يا رسول اللَّه إن أبي أدركه الحجّ". وإذا عطاء الخراسانيّ، قد روى عن أبي الغوث بن حصين الخثعميّ أنه استفتى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن حجة كانت على أبيه". أخرجهما ابن ماجه، والرواية الأولى أقوى إسنادًا، وهذا يوافق رواية هشيم في أن السائل عن ذلك رجل سأل عن أبيه، ويوافقه ما روى الطبرانيّ من طريق عبد اللَّه بن شدّاد، عن الفضل بن عباس "أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه، إن أبي شيخ كبير"، ويوافقهما مرسل الحسن، عند ابن خزيمة، فإنه أخرجه من طريق عوف، عن الحسن، قال: "بلغني أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أتاه رجل، فقال: إن أبي شيخ كبيرٌ، أدرك الإسلام، لم يحُجّ … " الحديث، ثم ساقه من طريق عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنهم -، قال مثله، إلا أنه قال: إن السائل سأل عن أمّه. وهذا يوافق رواية ابن سيرين أيضًا عن يحيى بن أبي إسحاق، كما تقدّم.

قال الحافظ: والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق أن السائل رجلٌ، وكانت ابنته معه، فسألت أيضًا، والمسؤول عنه أبو الرجل، وأمه جميعًا.

ويقرب من ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد قويّ من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن الفضل بن عبّاس، قال: "كنت ردف النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأعرابيّ معه بنت حسناء، فجعل الأعرابيّ يَعرِضها لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - رجاء أن يتزوّجها، وجعلت ألتفت إليها، ويأخذ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - برأسي، فيلويه، فكان يلبّي حتى رمى جمرة العقبة".

فعلى هذا فقول الشابّة: إن أبي، لعلّها أرادت به جدّها؛ لأن أباها كان معها، وكأنه أمرها أن تسأل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ليسمع كلامها، ويراها رجاء أن يتزوّجها، فلما لم يرضها، سأل أبوها، عن أبيه، ولا مانع أن يسأل أيضًا عن أبويه.

وتحصّل من هذه الروايات أن اسم الرجل حصين بن عوف الخثعميّ. وأما ما وقع في الرواية الأخرى أنه أبو الغوث بن حصين فإن إسنادها ضعيف، ولعلّه كان فيه عن أبي الغوث حصين، فزيد في الرواية "ابن"، أو أن أبا الغوث أيضًا كان مع أبيه حصين، فسأل كما سأل أبوه وأخته، واللَّه أعلم. انتهى (١).


(١) - "فتح" ج ٤ ص ٥٤٧ - ٥٤٨.