للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واللَّه تعالى يتفضّل بأن يأجرهم، ولا يكتب عليهم إثمًا حتى يبلغوا. قال: والحجّ عملٌ حسنٌ، وقال اللَّه تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.

[فإن قيل]: لا نية للصبيّ. [قلنا]: نعم، ولا تلزمه، إنما تلزم النيّة المخاطبَ المأمورَ المكلّف، والصبيّ ليس مخاطبًا, ولا مكلّفًا, ولا مأمورًا، وإنما أجره تفضّل من اللَّه تعالى، مجرّد عليه كما يتفضّل على الميت بعد موته، ولا نيّة له، ولا عمل بأن يأجره بدعاء ابنه له بعد موته، وبما يعمله غيره عنه، من حجّ، أو صيام، أو صدقة، ولا فرق، ويفعل اللَّه ما يشاء. وإذا كان الصبيّ قد رُفع عنه القدم، فلا جزاء عليه في صيد إن قتله في الحرم، أو في إحرامه، ولا في حلق رأسه لأذى به، ولا عن تمتّعه، ولا لإحصاره؛ لأنه غير مخاطب بشيء من ذلك، ولو لزمه هديٌ للزمه أن يعوّض منه الصيام، وهو في المتعة، وحلق الرأس، وجزاء الصيد، وهم لا يقولون هذا, ولا يفسد حجه بشيء مما ذكرنا، إنما هو ما عَمِلَ، أو عُمل به أُجر، وما لم يعمل، فلا إثم عليه.

وقد كان الصبيان يحضرون الصلاة مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، صحّت بذلك آثارٌ كثيرة، كصلاته بأمامة بنت أبي العاص، وحضور ابن عبّاس معه الصلاة، وسماعه بكاء الصبيّ في الصلاة، وغير ذلك، ويجزي الطائف به طوافه عن نفسه؛ لأنه طائف، وحاملٌ، فهما عملان متغايران، لكلّ منهما حكم كما هو طائفٌ، وراكب، ولا فرق.

قال: فإن بلغ الصبيّ في حال إحرامه لزمه أن يجدّد إحرامًا، وَيشرع في عمل الحجّ، فإن فاتته عرفة، أو مزدلفة، فقد فاته الحجّ، ولا هدي عليه، ولا شيء، أما تجديده الإحرام؛ فلأنه قد صار مأمورًا بالحجّ، وهو قادرٌ عليه، فلزمه أن يبتديئه؛ لأن إحرامه الأوّل كان تطوعًا، والفرض أولى من التطوّع انتهى كلام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- (١)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله أبو محمد ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- تحقيق نفيسٌ جدًّا، وحاصله جواز الحجّ بالصبيّ، وأنه يكتب له أجره، وأن من حجّ به يؤجر به أيضًا، وأنه يعمل ما يطيق أن يعمله من أعمال الحجّ، وما لا فليس عليه شيء، بل يعمل له من يحجّ به، مثل الرمي وغيره، ويطوف به حاملاً له، ويعتدّ بذلك الطواف لنفسه، وللصبيّ، وأنه يجنَّب فعل محظورات الحجّ، وإن ارتكب شيئًا من ذلك فلا شيء عليه لأنه مرفوعٌ عنه القلمُ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٦٤٦ - (أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ, عَنْ كُرَيْبٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا, مِنْ


(١) راجع "المحلّى" ج٧ص ٢٧٦ - ٢٧٧.