للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ومنها): أن من أصابه طيّب في إحرامه، ناسيًا، أو جاهلاً، ثم علم، فبادر إلى إزالته، فلا كفّارة عليه، وهو المذهب الراجح. وسيأتي أيضًا بيان الخلاف في ذلك في المسألة الخامسة، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): أن من أحرم وهو لابس مخيطًا، كالجبة، والقميص، جهلاً، أو نسيانًا لزمه نزعه، وليس عليه تمزيقه، ولا شقّه، وأنه إذا نزعه من رأسه لا يلزمه دم، وعليه الجمهور، وهو الحقّ، وسيأتي بيان الخلاف في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف العلماء فيمن أحرم، وعليه جبّة، أو قيمص، هل ينزعه، أو يشقّه؟:

ذهب الجمهور من فقهاء الأمصار إلى أنه ينزعه، ولا يشقّه.

وهو قول عطاء، وطاوس، وبه قال مالك، وأصحابه، والشافعيّ، وأصحابه، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، والثوريّ، وسائر فقهاء الأمصار، أصحاب الرأي والآثار.

وذهبت طائفة إلى أنه لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال، بل يشقّه؛ لأنه إذا فعل ذلك غطّى رأسه، وذلك لا يجوز.

وممن قال بذلك الحسن، والشعبيّ، والنخعيّ، وأبو قلابة، وسعيد بن جبير، على اختلاف عنه. وروي عن عليّ نحوه.

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى- (١): وحجّتهم ما رواه عبد الرزّاق، عن داود بن قيس، عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لَبيبة، أنه سمع ابني جابر بن عبد اللَّه، يحدّثان عن أبيهما - رضي اللَّه عنه -، قال: بينما النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - جالسٌ مع أصحابه شقّ قميصه، حتى خرج منه، فقيل له؟، فقال: "واعدتهم يقلّدون هديي اليوم، فنسيت".

ورواه أسد بن موسى، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء بن عبد الملك، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وزاد: "فلبست قميصي، ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي". وكان بعث ببُدّنه، وأقام بالمدينة.

واحتجّ الجمهور بحديث يعلي بن أميّة - رضي اللَّه تعالى عنه - المذكور في الباب. قال أبو عمر: ولا خلاف بين أهل الحديث أنه حديث صحيح، وحديث جابر الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء ضعيفٌ لا يُحتجّ به. وهو مردود أيضًا بحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها قالت: "كنت أفتل قلائد هدي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم يقلّده، ويبعث به،


(١) - راجع "الاستذكار" ١١/ ٦٦ - ٦٨.