للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دون ما إذا كان متجافيًا عنه. وهذا قول الأئمة الأربعة، وبه قال الجمهور. وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - رخّص فيه -يعني النقاب- ثم قال: وكانت أسماء بنت أبي بكر - رضي اللَّه تعالى عنهما - تُغطّي وجهها، وهي محرمة. وروينا عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أنها قالت: المحرمة تُغطّي وجهها، إن شاءت.

وقال ابن عبد البرّ: وعلى كراهة النقاب للمرأة جهور علماء المسلمين، من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، من فقهاء الأمصار أجمعين، إلا شيء رُوي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تُغطّي وجهها، وهي محرمة، وعن عائشة أنها قالت: تُغطّي المرأة وجهها إن شاءت. وروي عنها أنها لا تفعل، وعليه الناس انتهى (١).

وقال أبو محمد ابن حزم: ما حاصله: تلبس المرأة ما شاءت من كلّ ما ذكرنا أنه لا يلبسه الرجل، وتغطي رأسها، إلا أنها لا تنتقب أصلاً، لكن إما أن تكشف وجهها، وإما أن تُسدل عليه ثوبًا من فوق رأسها، فذلك لها إن شاءت انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من نهي المرأة عن الانتقاب، وعدم تغطية وجهها إلا بما كان متجافيًا هو الحقُّ.

والحاصل أن المرأة لا يجوز لها أن تنتقب، سواء كانت حرّة، أو أمة، ويجوز لها أن تُسدل على وجهها من فوق رأسها شيئًا متجافيًا يستر وجهها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم ستر الرجل وجهه:

ذهب الشافعيّ، وأحمد، والجمهور -رحمهم اللَّه تعالى- إلى أنه يجوز للمحرم ستر وجهه، ولا فدية عليه، وفيه آثارٌ عن الصحابة - رضي اللَّه عنهم -

لظاهر قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ولا تنتقب المرأة"، فإنه يدلّ على أن هذا خاصّ بالمرأة، دون الرجل، وهو مقتضى ما ذكره أول الحديث فيما يتركه المحرم، فإنه لم يذكر منه ساتر الوجه.

وذهب أبو حنيفة، ومالك -رحمهما اللَّه تعالى- إلى منعه كالرأس، وهو رواية عن أحمد، وقالوا: إذا حرم على المرأة ستر وجهها مع احتياجها إلى ذلك، فالرجل أولى بتحريمه، وتمسّكوا أيضًا بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في المحرم الذي وقصته ناقته: "ولا تخمّروا رأسه، ولا وجهه".

وأجاب الجمهور عنه بأن النهي عن تغطية وجهه إنما كان لصيانة رأسه، لا لقصد كشف وجهه، ولا بدّ من هذا التأويل؛ لأن المتمسّكين بهذا الحديث، وهم الحنفيّة، والمالكيّة لا يقولون ببقاء أثر الإحرام بعد الموت، لا في الرأس، ولا في الوجه،


(١) -راجع "طرح التثريب" ٥/ ٤٦ - ٤٧.
(٢) - "المحلّى" ٧/ ٧٨.