للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لَمّا حجّ، جمع ناسًا من أهل العلم، منهم القاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وسالم، وعبد اللَّه ابنا عبد اللَّه بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، فسألهم عن التطيّب قبل الإفاضة، فكلّهم أمر به.

فهؤلاء فقهاء أهل المدينة، من التابعين، قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدّعي مع ذلك العمل على خلافه انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن مما تقدّم من التحقيقات أن ما ذهب إليه الجمهور، من جواز استعمال الطيب عند إرادة الإحرام، ولو كان يبقى أثره بعد الإحرام هو الحقّ؛ لكونه سنة ثابتة عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): دلّ الحديث على إباحة التطيّب بعد رمي جمرة العقبة، والحلق، وقبل طواف الإضافة، وهو المراد بالطواف هنا، وإنما قلنا: بعد رمي جمرة العقبة والحلق؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - رتّب هذه الأفعال يوم النحر هكذا، فرمى، ثم حلق، ثم طاف، فلولا أن التطيّب كان بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها: "قبل أن يطوف بالبيت".

قال النوويّ في "شرح مسلم": وهذا مذهب الشافعيّ، والعلماء كافّة، إلا مالكًا، فكرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث، وكذا حكاه القاضي عياض عن عامّة العلماء.

وقال الترمذيّ في "جامعه": رُوي عن عمر بن الخطّاب أنه قال: حَلّ كلّ شيء إلا النساء، والطيب. وقد ذهـ ب بعض أهل العلم إلى هذا، من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وغيرهم، وهو قول أهل الكوفة انتهى.

وهذا الذي حكاه عن أهل الكوفة ليس بمعروف عنهم، وفي كتب الحنفية كـ"الهداية"، وغيرها الجزم بحلّ الطيب قبل الطواف.

ثم إن مالكًا مع قوله باستمرار تحريم الطيب يقول: إنه لا فدية عليه لو تطيّب، بخلاف الصيد، فإنه ممنوع منه عنده قبل الطواف كالطيب عنده، ومع ذلك فيقول بلزوم الفدية لو اصطاد، وهو محتاج إلى الفرق بينهما.

وحُكي عن بعض أهل الكوفة القول بتحريم الطيب قبل الطواف، وبلزوم الفدية لو


(١) - "فتح" ٤/ ١٧٨ - ١٨٠.