للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اعتمر مع حجته، كما تقدّم، وابن عمر، وقد ثبت عنه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - بدأ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ، وثبت عنه أنه جمع بين حج وعمرة، ثم حدّث أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فعل ذلك، وجابر، وقد ثبت قوله: إنه اعتمر مع حجته أيضًا، وروى القران عنه جماعة من الصحابة، لم يختلف عليهم فيه، وبأنه لم يقع في شيء من الروايات النقل عنه من لفظه أنه قال: أفردت، ولا تمتّعت، بل صحّ عنه أنه قال: "قرنت"، وصحّ عنه أنه قال: "لولا أن معي الهدي لأحللت"، وأيضًا فإن من روى عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسّف، بخلاف من روى الإفراد، فإنه محمول على أول الحال، وينتفي التعارض، ويؤيّده أن من جاء عنه الإفراد جاء عنه صورة القران، كما تقدّم، ومن روى عنه التمتّع فإنه محمول على الاقتصار على سفر واحد للنسكين، ويؤيّده أن من جاء عنه التمتع لما وصفه وصفه بصورة القران؛ لأنهم اتفقوا على أنه لم يحلّ من عمرته حتى أتمّ عمل جميع الحجّ، وهذه إحدى صور القران، وأيضًا فإن رواية القرآن جاءت عن بضعة عشر صحابيًا بأسانيد جياد، بخلاف روايتي الإفراد، والتمتّع، وهذا يقتضي رفع الشكّ عن ذلك، والمصير إلى أنه كان قارنًا.

قال: ومن العلماء من جمع بين الأحاديث على نمط آخر مع موافقته على أنه كان قارنًا، كالطحاويّ، وابن حبّان، وغيرهما، فقيل: أهلّ أوّلًا بعمرة، ثم لم يتحلّل منها إلى أن أدخل عليها الحجّ يوم التروية، ومستند هذا القائل حديث ابن عمر بلفظ: "فبدأ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ"، وهذا لا ينافي إنكار ابن عمر على أنس كونه نقل أنه - صلى الله عليه وسلم - أهلّ الحجّ والعمرة؛ لاحتمال أن يكون محلّ إنكاره كونه نقل أنه أهلّ بهما معًا، وإنما المعروف عنده أنه أدخل أحد النسكين على الآخر، لكن جزمه بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - بدأ بالعمرة مخالف لما عليه أكثر الأحاديث، فهو مرجوح. وقيل: أهلّ أوّلاً بالحجّ مفردًا، ثم استمرّ على ذلك إلى أن أمر أصحابه بأن يفسخوا حجهم، فيجعلوه عمرة، وفسخ معهم، ومنعه من التحلّل من عمرته المذكورة ما ذكره من سوق الهدي، فاستمرّ معتمرًا إلى أن أدخل عليها الحجّ حتى تحلّل منهما جميعًا، وهذا يستلزم أنه أحرم بالحجّ أوّلاً وآخرًا، وهو محتمل، لكن الجمع الأول أولى.

وقيل: إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أهلّ بالحجّ مفردًا، واستمرّ عليه إلى أن تحلّل منه بمنى، ولم يعتمر في تلك السنة، وهو مقتضى من رجّح أنه كان مفردًا.

قال الحافظ: والذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهلّ بهما في أول الحال، ولا ينفي أن يكون أهلّ بالحجّ مفردًا، ثم أدخل عليه العمرة، فيجتمع