للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو من قبل نفسه، مما يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد، فإنه قال فيه: "ثم ليتخير من المسألة، والثناء ما شاء"، أي بعد أن يفرغ من المرفوع، كما تقدّم ذلك في موضعه انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الحافظ تبعًا للإمام الشافعيّ -رحمهما اللَّه تعالى- تحقيق نفيسٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حقيقة الإحرام في الحجّ والعمرة، وحكمه:

(اعلم): أن الإحرام لغة هو الدخول في التحريم، يقال: أحرم الشخص: نوى الدخول في شيء حرُم عليه به ما كان حلالاً له، وهذا كما يقال: أنجد: إذا أتى نجدًا، وأتهم: إذا أتى تهامة. قاله الفيّوميّ.

وشرعًا: نية الدخول في النسك مع التلبية، أو سوق الهدي، لا نية أن يحجّ، أو يعتمر، فإن ذلك لا يسمى إحرامًا، وكذا التجرّد، وترك سائر المحظورات لكونه محرما بدونها. قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه اللَّه تعالى-: لا يكون الرجل محرمًا بمجرّد ما في قلبه من قصد الحجّ ونيته، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لا بدّ من قول، أو عمل يصير به محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين انتهى (١).

وقال العلامة ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: الإحرام: الدخول في أحد النسكين، والتشاغل بأعمالهما، وقد كان شيخنا العلامة أبو محمد بن عبد السلام يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدًّا، ويبحث فيه كثيرًا، وإذا قيل: إنه النيّة اعترض عليه بأن النية شرط في الحجّ الذي الإحرام ركنه، وشرط الشيء غيره، ويعترض على أنه التلبية بأنها ليست بركن، والإحرام ركن، هذا أو قريب منه، وكان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء انتهى.

وقال العلامة الشوكاني -رحمه اللَّه تعالى- عند قول صاحب "حدائق الأزهار": وإنما ينعقد -أي الإحرام- بالنية مقارنة لتلبيد، أو تقليد: ما نصّه:

أقول: الإحرام هو مصير الشخص من الحالة التي كان يحلّ له فيها ما يحرم عليه بعدها إلى الحالة التي يحرم عليه فيها ما كان يحلّ له فيها, ولو لم يكن إلا مجرّد الكفّ عن محظورات الإحرام لكان ذلك معنى معقولاً لكلّ عاقل، كالصوم فإنه ليس إلا الكفّ عن تناول المفطرات، فمن قال: إنه لا يعقل معنى الإحرام، وإنه ليس هناك إلا مجرّد النية، وإن النية لا تُنوى، وإلا لزم التسلسل، فقد أخطأ خطأ بيّنًا، ومعلوم أن الشريعة


(١) - انظر "مجموع الفتاوى" ٢٦/ ١٠٨.