للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - لتلك المرأة، أو قالت هي لها (مَا هَذَا؟) العكاز، ولعل سؤالها عنه أنه لم تجر للنساء عادة باتخاذه، فاستغربت ذلك منها (فَقَالَتْ) تلك المرأة، أو عائشة (لِهَذِهِ الْوَزَغِ) أي اتخذته لقتل هذه الوزغ، وأنثته لكونه جمعًا. قال في "القاموس": الوزغة محرّكة: سامّ أبرص، سميت بذلك لخفتها، وسرعة حركتها، جمعه وَزَغٌ، وأوزاغ، ووِزْغَان، ووِزَاغ، وِإزْغَان انتهى.

وقال الفيّوميّ: الوزغ معروف، والأنثى وزغة، وقيل: الوزغ جمع وزغة، مثل قصبة وقصب، فتقع الوزغة على الذكر والأنثى، والجمع أوزاغ، ووزْغَان -بالكسر، والضمّ-، حكاه الأزهريّ، وقال: الوزغ سامّ أبرص انتهى.

وقال في "الفتح": وذكر بعض الحكماء أن الوزخ أصمّ، وأنه لا يدخل في مكان فيه زعفران، وأنه يلقّح بفيه، وأنه يبيض، ويقال لكبارها: سامّ أبرص -بتشديد الميم- انتهى (١).

(لأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، حَدَّثَنَا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ) أي من الدوابّ كما تقدم في رواية أحمد، وابن ماجه: "أن إبراهيم لما ألقي في النار، لم يكن في الأرض دابّة، إلا أطفأت عنه، إلا الوزغ، فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بقتلها".

(إِلاَّ يُطْفِئُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلام -) أي يطفئ النار التي ألقي فيها إبراهيم - عليه السلام - (إِلاَّ هَذِهِ الدَّابَّةُ) يعني الوزغ (فَأَمَرَنَا بِقَتْلِهَا) أي أمر - صلى اللَّه عليه وسلم - بقتل الوزغ، مجازة لاعتدائها على خليل الرحمن - عليه السلام -.

(وَنَهَى) - صلى اللَّه عليه وسلم - (عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ) بكسر الجيم، وتشديد النون: هي الحيات التي تكون في البيوت، واحدها جانّ، وهي الحية الصغيرة. وقيل: الرقيقة الخفيفة. وقيل: الدقيقة البيضاء. قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: والجنّان- بتشديد النون-: جمع الجانّ. وهو أبو الجانّ، هذا أصله، والجانّ في الحديث: هو حية بيضاء صغيرة دقيقة. هكذا ذكر النَّقَلَة، والظاهر من الجنّان المذكور في الحديث أن المراد به الجانّ.

فإن قيل: فقد وصف اللَّه تعالى الحية المنقلبة عن عصا موسى بأنها جانّ، وأنها ثعبان عظيم.

فالجواب: أنه إنما كاذت ثعبانا عظيمًا في الخلقة، ومثل الحيّة الصغيرة الدقيقة في الخفة والسرعة، ألا ترى قوله تعالى: {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ …} [النمل: ١٠] هكذا قال أهل اللغة، وأرباب المعاني، وعلى الجملة، فأصل هذه البنية من (ج ن) للستر،


(١) - "فتح" ٧/ ٤٤ في "كتاب أحاديث الأنبياء".
(٢) - "فتح" ٦/ ٥١١.