للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قدر ما بلغ به من الوجع الشديد، ثم بلغه ما هو فيه من البلاء، وشدّة الأذى، فأرسل إليه، واستدعاه، حتى أتاه محمولا، فاستدناه، فدنا، كما في رواية ابن عون، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عند الشيخين، وحكّ رأسه بإصبعه الكرية، كما في رواية أبي وائل، عن كعب، الآتية في الحديث التالي، فخاطبه، وقال له: "ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى"، ودعا الحلاّق، فحلق رأسه بحضرته، فنقل بعض الرواة ما لم ينقله الآخر.

قال الحافظ بعد ما ذكر اختلاف الروايات في ذلك مفصّلا: ما لفظه: والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى، عن كعب أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مرّ به، قرآه، وفي قول عبد اللَّه بن معقل أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أرسل إليه، فرآه أن يقال: مرّ به أوّلاً، فرآه على تلك الصورة، فاستدعى به إليه، فخاطبه، وحلق رأسه بحضرته، فنقل كلّ واحد منهما ما لم ينقله الآخر، ويوضّحه قوله في رواية ابن عون، حيث قال فيها: "فقال: ادن، فدنوت"، فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه، إذ مرّ به، وهو يوقد تحت القدر انتهى (١).

وقال الطبريّ: يحتمل أن يكون وقف عليه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأمره بذلك، ثم حمل إليه لما كثر عليه، فأمره ثانيًا، فلا يكون بين قوله: "فحُملت إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبين قوله: "مرّ به" تضاد.

وقال العينيّ بعد ذكر اختلاف الروايات: لا تعارض في شيء من ذلك، ووجهه أنه مرّ به، وهو محرم في أول الأمر، وسأله عن ذلك، ثم حُمل إليه ثانيًا بإرساله إليه، وأما إتيانه فبعد الإرسال، وأما رؤيته فلا بدّ منها في الكل انتهى باختصار يسير (٢).

(فَآذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ) وفي رواية لأحمد، وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة: "قملت حتى ظننت أن كلّ شعرة من رأسي فيها القمل، من أصلها إلى فرعها زاد سعيد: "وكنت حسن الشعر". وفي رواية لأحمد من وجه آخر: "وقع القمل في رأسي، ولحيتي، حتى حاجبي، وشاربي، فبلغ ذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -فأرسل إلى، فدعاني، فلما رآني، قال: لقد أصابك بلاء، ونحن لا نشعر … " (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ) وفي رواية لأحمد: "ادع إلى الحجام، فحلقني". قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في إلحاق الإزالة بالحلق، سواء كان بموسى، أو مِقَصّ، أو نُورة، أو غير ذلك.

وأغرب ابن حزم، فأخرج النتف عن ذلك، فقال: يلحق جميع الإزالات بالحلق إلا النتف. قاله في "الفتح".


(١) - "فتح" ٤/ ٤٨١.
(٢) - "عمدة القاري" ٨/ ٣٣٠ - ٣٣١.